يَأْتِيَ مَنْ يَشْهَدُ بِالْهِلَالِ، فَمِنْ بَابِ أَحْرَى إِذَا شَهِدَ بِهِ وَتَوَقَّفَ الْحَالُ عَلَى تَزْكِيَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا قَرِيبًا قَدْرَ مَا يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ إِلَى أَنْ يَرْتَفِعَ النَّهَارُ وَيَأْتِيَ النَّاسُ، وَعَلَى هَذَا فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ فِي تَزْكِيَتِهِمَا طُولٌ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ. وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ، فَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْإِطْلَاقُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إِذَا كَانَ أَمْرُ الشَّاهِدَيْنِ فِي التَّزْكِيَةِ يَتَأَخَّرُ لِيُوَافِقَ الْمَنْقُولَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: (أَوْ زَوَالِ عُذْرٍ مُبِيحٍ لَهُ الْفِطْرَ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ فَأَصْبَحَ مُفْطِرًا لِذَلِكَ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، كَالْحَائِضِ تَطْهُرُ، وَالْمُسَافِرِ إِذَا قَدِمَ مُفْطِرًا، وَالْمَجْنُونِ إِذَا أَفَاقَ، وَالصَّبِيِّ إِذَا احْتَلَمَ وَكَانَ مُفْطِرًا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمُ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُمْسِكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُمْسِكُهُ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَانِ) :
الْأَوَّلُ: إِذَا أَصْبَحَ الصَّبِيُّ صَائِمًا ثُمَّ احْتَلَمَ، فَإِنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى صَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ انْعَقَدَ نَافِلَةً، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ.
الثَّانِي: يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِفْطَارِ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ النَّوَادِرِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ.
ص: (كَمُضْطَرٍّ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، ثُمَّ حَصَلَتْ لَهُ ضَرُورَةٌ اقْتَضَتْ فِطْرَهُ مِنْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْفِطْرَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَلَوْ بِالْجِمَاعِ؟ أَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُزِيلُ ضَرُورَتَهُ فَقَطْ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِوَجْهٍ مُبَاحٍ، قِيَاسًا عَلَى الْمُسْتَعْطِشِ إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُوَفِّي بِصِيَامِهِ إِلَّا أَنْ يَشْرَبَ فِي نَهَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُبَيِّتَ الْفِطْرَ وَيَأْكُلَ وَيُصِيبَ أَهْلَهُ. وَلَوْ كَانَ بِرَجُلٍ مَرَضٌ يَحْتَاجُ مِنَ الدَّوَاءِ فِي نَهَارِهِ إِلَى الشَّيْءِ الْيَسِيرِ يَشْرَبُهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالصِّيَامِ وَلَا بِالْكَفِّ عَمَّا سِوَى مَا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ، انْتَهَى.
وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ لِأَكْلِ الْمَيْتَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ إِنْ قُلْنَا لَهُ: أَنْ يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ - جَازَ لَهُ التَّمَادِي - يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ -، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: إِنَّهُ إِنَّمَا يَأْكُلُ قَدْرَ سَدِّ رَمَقِهِ- يُرِيدُ هُنَا ضَرُورَتَهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَرْزَلِيُّ: وَالْمَشْهُورُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ وَيَشْبَعُ وَيَتَزَوَّدُ، وَكَذَا هُنَا يَشْرَبُ حَتَّى يَشْبَعَ وَيَأْكُلَ وَيُجَامِعَ إِنْ شَاءَ، انْتَهَى.
ذَكَرَ ذَلِكَ إِثْرَ سُؤَالٍ سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَنَصُّهُ: سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ يُصِيبُهُ الْعَطَشُ الشَّدِيدُ فَيَشْرَبُ، هَلْ يَأْكُلُ بَعْدَهُ وَيُجَامِعُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: اخْتُلِفَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ إِلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ وَيَرَى جَوَازَهُ. قَالَ الْبَرْزَلِيُّ: قُلْتُ: مَا اخْتَارَهُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِيهِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ خَاصَّةً، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَأْكُلُ وَيَشْبَعُ وَيَتَزَوَّدُ، وَكَذَا هُنَا يَشْرَبُ حَتَّى يَشْبَعَ وَيَأْكُلَ وَيُجَامِعَ إِنْ شَاءَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إِذَا احْتَاجَ لِرُكُوبِ الْهَدِيَّةِ رَكِبَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ إِذَا اسْتَرَاحَ، وَكَذَا إِذَا أُبِيحَ لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ بِالشَّرْطَيْنِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ صَارَ أَهْلًا لِتَزْوِيجِهَا، وَكَذَا مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ إِلَى سِنِينَ يُدْرِكُهَا