لَيْسَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ لَا يُصَامُ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَمْ يُبَيِّنِ الْمُصَنِّفُ كَابْنِ الْحَاجِبِ، حَيْثُ قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهِ احْتِيَاطًا لِلْعَمَلِ، هَلِ النَّهْيُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوِ التَّحْرِيمِ؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَسَبَهُ اللَّخْمِيُّ لِمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنَعَهُ مَالِكٌ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَنْبَغِي صِيَامُ يَوْمِ الشَّكِّ. وَحَمَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمَنْعِ. وَفِي الْجَلَّابِ: يُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ، وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: الْكَافَّةُ مُجْمِعُونَ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِ احْتِيَاطًا، انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ فَرْحُونَ، وَزَادَ: وَأَجَازَتْ صَوْمَهُ احْتِيَاطًا عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ، وَأَجَازَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: يُكْرَهُ أَنْ يُؤْمَرَ النَّاسُ بِفِطْرِهِ؛ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِطْرٌ قَبْلَ الصَّوْمِ كَمَا وَجَبَ بَعْدَهُ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِقَوْلِهِ: «عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ، انْتَهَى.

وَزَادَ أَبُو الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ يُونُسَ مِنَ الْوَاضِحَةِ: وَمَنْ صَامَهُ حَوْطَةً ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَلْيُفْطِرْ مَتَى مَا عَلِمَ، انْتَهَى.

وَنَقْلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنِ الشَّيْخِ بِلَفْظِ: آخِرَ النَّهَارِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَحَمَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْمَنْعِ، انْتَهَى.

وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ فِي الْحِيَاطَةِ مِنْ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا. وَقَالَ بَعْدَهُ: فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ- يُرِيدُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ، انْتَهَى.

ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: يُصَامُ احْتِيَاطًا. وَلَا أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ، انْتَهَى.

وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ وُجُوبَ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ وَمِنَ الْحَائِضِ إِذَا جَاوَزَتْ عَادَتَهَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ، وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَلْيَنْظُرْهُ مَنْ أَرَادَهُ.

(فَرْعٌ) : قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: اتَّفَقُوا إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِ احْتِيَاطًا؛ إِذْ لَا وَجْهَ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الصَّحْوِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ إِذَا كَانَ الْغَيْمُ، انْتَهَى.

ص: (وَنُدِبَ إِمْسَاكُهُ لِيَتَحَقَّقَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْإِفْطَارِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ الْأَمْرُ، بِأَنْ يَأْتِيَ الْمُسَافِرُونَ مِنْ نَوَاحِي الْبَلَدِ، وَيَنْتَشِرَ النَّاسُ، وَتُسْمَعَ الْأَخْبَارُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَإِنِ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، وَلَمْ يَظْهَرْ مُوجِبُ الصِّيَامِ، أَفْطَرَ النَّاسُ. وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ مَا ظَاهَرُهُ الْكَفُّ جَمِيعَ النَّهَارِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ إِذْ ذَاكَ فِي صُورَةِ صِيَامِ يَوْمِ الشَّكِّ احْتِيَاطًا بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: الرِّوَايَةُ ظَاهِرُهَا الْكَفُّ جَمِيعَ النَّهَارِ- لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى.

قُلْتُ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: يُسْتَحَبُّ إِمْسَاكُ جَمِيعِ النَّهَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ..

ص: (لَا لِتَزْكِيَةِ شَاهِدَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ شَاهِدَانِ، وَاحْتَاجَ الْحَالُ إِلَى تَزْكِيَتِهِمَا، فَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ لِذَلِكَ، وَهَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَاحْتَاجَ الْقَاضِي إِلَى الْكَشْفِ عَنْهُمَا وَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ، فَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَإِنْ زَكَّوْا بَعْدَ ذَلِكَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْقَضَاءِ. وَإِنْ كَانَ فِي الْفِطْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيمَا صَامُوا، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) : تَأْمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ، فَإِنَّ الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدِي أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي عَدْلَانِ فِي اللَّيْلِ وَاحْتَاجَ الْحَالُ إِلَى تَزْكِيَتِهِمَا وَكَانَ ذَلِكَ يَتَأَخَّرُ إِلَى النَّهَارِ، فَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُبَيِّتُوا الصِّيَامَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ نَهَارًا، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَنْفِيَّ وُجُوبُ الصِّيَامِ لَا اسْتِحْبَابُ الْإِمْسَاكِ، وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، فَقُيِّدَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ ذَلِكَ، وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى طُولٍ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا فَطَلَبَ الْقَاضِي تَزْكِيَتَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا قَرِيبًا، فَاسْتِحْبَابُ الْإِمْسَاكِ مُتَعَيِّنٌ، بَلْ هُوَ أَوْكَدُ مِنَ الْإِمْسَاكِ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015