وَإِنَّمَا يَوْمُ الشَّكِّ إِذَا لَمْ يُطْبِقِ الْغَيْمُ وَتَحَدَّثَ النَّاسَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَمَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إِلَى هَذَا.
ص: (وَصِيمَ عَادَةً) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ لِمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ سَرْدَ الصَّوْمِ، أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ كَالْخَمِيسِ وَالْاثْنَيْنِ فَوَافَقَ ذَلِكَ، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
ص: (وَتَطَوُّعًا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهُ وَحْدَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ، وَلِمَنْ شَاءَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا أَنْ يَفْعَلَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنِ ابْنِ مَسْلَمَةَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ، وَنَقَلَ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ الْجَوَازَ، فَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: إِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْكَافِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ إِثْرَ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ الْمُتَقَدِّمِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَسْرُدَ الصَّوْمَ أَمْ لَا، انْتَهَى.
ص: (وَقَضَاءً) ش: أَيْ كَمَنْ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَقَضَاهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ عَنِ الْقَضَاءِ وَلَا عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَقَضَاءُ مَا فِي ذِمَّتِهِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي إِجْزَائِهِ قَضَاءً - وَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ - خِلَافٌ يَأْتِي، انْتَهَى.
وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَسْأَلَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ آخَرَ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَحُكْمُ كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ كَحُكْمِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ نَوَاهُ لِلْكَفَّارَةِ أَوْ نَذْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَجْزَأَهُ، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَلَا عَمَّا نَوَاهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَيَقْضِي مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نُذُرٍ أَوْ فِدْيَةٍ أَوْ هَدْيٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ مُعَيَّنًا فَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ:
ص: (وَلِنُذُرٍ صَادَفَ) ش: وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ أَيْضًا لِنَذْرٍ صَادَفَهُ، كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا فَوَافَقَ بَعْضَهَا، كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ أَوِ الْخَمِيسِ فَيُوَافِقُ ذَلِكَ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَقَدِمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُهُ وَيَجْزِيهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا يُحْزِئُ عَنِ النَّذْرِ وَلَا عَنِ الْفَرْضِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ لِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلنَّذْرِ لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا، وَقَدْ فَاتَ. قَالَهُ فِي التَّلْقِينِ.
وَاحْتَرَزْ بِقَوْلِهِ: صَادَفَ- مِمَّا لَوْ نَذَرَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَوْمُ الشَّكِّ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ لِكَوْنِهِ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ.
(قُلْتُ) : وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ كَذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ: إِنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَعَلَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ احْتِيَاطًا حَرَامٌ، وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ إِذَا صَامَهُ لِلِاحْتِيَاطِ اخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ؟ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ لِنَذْرِهِ إِيَّاهُ كَذَلِكَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَأَمَّا عَدَمُ لُزُومِهِ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا، وَنَذْرُ الْمَكْرُوهَ غَيْرُ لَازِمٍ، لَكِنَّهُ لَا يَصِيرُ فِعْلُ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ حَرَامًا عَلَى أَنَّهُ يُشْكِلُ بِرَابِعِ النَّحْرِ، فَإِنَّهُ يَكْرَهُ صِيَامُهُ تَطَوُّعًا وَيَلْزَمُ نَاذِرَهُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَأَنَّهُمْ رَاعَوْا فِيهِ الْخِلَافَ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا أَيْضًا إِذَا قَصَدَ النُّذُرُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ الشَّكِّ لِيَحْتَاطَ بِهِ، فَلَوْ قَصَدَ نَذَرَهُ بِخُصُوصِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا نَقَلَ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: لَوْ نَذَرَ يَوْمَ الشَّكِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَوْمُ شَكٍّ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، (قُلْتُ) : كَوْنُهُ مَعْصِيَةً يُرَدُّ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ كَرَاهَةِ صَوْمِهِ، انْتَهَى. يَعْنِي تَطَوُّعًا، وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ نَاجِيٍّ، لَكِنْ يُقَالُ: مُرَادُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إِذَا قَصَدَ نَذَرَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ الشَّكِّ لِيَحْتَاطَ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى نِيَّةِ النَّاذِرِ، فَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ الشَّكِّ احْتِيَاطًا فَلَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَكُلَاهُمَا لَا يَلْزَمُهُ نَذْرُهُ وَإِنْ نَذْرَهُ لَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ - أَعْنِي نَذَرَهَ لَا لِلِاحْتِيَاطِ - فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ التَّلْقِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: (لَا احْتِيَاطًا) ش: رَاجِعٌ إِلَى أَصْلِ صِيَامِ يَوْمِ الشَّكِّ لَا لِمَسْأَلَةِ النَّذْرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ كَمَا بَيَّنَاهُ، لَكِنَّهُ