بَيْنَ نُزُولِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلرَّمَّاحِ وَأَبِي الْحَسَنِ الْعَبْدَلِيِّ (قُلْت) وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ وَحَكَى فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْمَشْيُ بَيْنَ الصُّفُوفِ فَيَجُوزُ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ.
ص (وَاحْتِبَاءٌ فِيهَا)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ الِاحْتِبَاءُ وَالْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَيُشِيرُ بِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِاحْتِبَاءٍ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَمَّا احْتِبَاءُ الْإِمَامِ إذَا جَلَسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَلَا يُقَالُ فِيهِ احْتِبَاءٌ فِيهَا.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَلَهُ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَلَهُ أَنْ يَحْتَبِيَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا وَيَمُدَّ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ لَهُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ فَلْيَفْعَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ أَرْفَقُ لَهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْحَبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَبِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَكَانَ أَنَسٌ وَجُلُّ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهُ إلَّا عُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَكَرِهَ قَوْمٌ الْحَبْوَةَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ وَرَخَّصَ فِيهَا آخَرُونَ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَغَيْرِهِمْ وَكَرِهَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا تَجْلِبُ النَّوْمَ فَتُعَرِّضُ طَهَارَتَهُ لِلنَّقْضِ وَتَمْنَعُ مِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ.
(فَائِدَةٌ) الِاحْتِبَاءُ هُوَ أَنْ يَضُمَّ الْإِنْسَانُ رِجْلَيْهِ إلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ يَجْمَعُهُمَا بِهِ مَعَ ظَهْرِهِ وَيَشُدَّ عَلَيْهِمَا وَقَدْ يَكُونُ الِاحْتِبَاءُ بِالْيَدَيْنِ عِوَضَ الثَّوْبِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ احْتَبَى يَحْتَبِي احْتِبَاءً وَالِاسْمُ الْحَبْوَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَالْجَمْعُ حِبًا وَحِبَاءٌ، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ «الِاحْتِبَاءُ حِيطَانُ الْعَرَبِ» يَعْنَى لَيْسَ فِي الْبَرَارِي حِيطَانٌ فَإِذَا أَرَادُوا الِاسْتِنَادَ احْتَبَوْا؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاءَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ السُّقُوطِ وَيَصِيرُ لَهُمْ كَالْجِدَارِ انْتَهَى.
ص (كَتَأْمِينٍ وَتَعَوُّذٍ عِنْدَ السَّبَبِ)
ش: لَيْسَ هَذَا مِثَالًا لِلذِّكْرِ الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ هَذَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَالذِّكْرُ الْخَفِيفُ فِيهِ قَوْلَانِ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَلَكِنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى الذِّكْرِ شَيْئًا يَسِيرًا فِي نَفْسِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلَا بَأْسَ وَتَرْكُ ذَلِكَ أَحْسَنُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُنْصِتَ وَيَسْتَمِعَ قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ.
وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ وَالتَّأْمِينِ عِنْدَ ذِكْرِ الْإِمَامِ أَسْبَابَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ هَلْ يَجْهَرُ أَوْ يُسِرُّ عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى.
وَمِثْلُهُ فِي الطِّرَازِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ الِاتِّفَاقَ عَلَى إجَازَةِ الثَّانِي وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي صِفَةِ النُّطْقِ بِهِ قَالَ وَالْقَوْلُ بِإِسْرَارِ ذَلِكَ لِمَالِكٍ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَالْقَوْلُ بِالْجَهْرِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الطِّرَازِ وَنَصُّ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى مَا نُقِلَ فِي الطِّرَازِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَيُؤَمِّنَ النَّاسُ وَيَجْهَرُوا بِذَلِكَ جَهْرًا لَيْسَ بِالْعَالِي وَلَا يُكْثِرُوا مِنْهُ انْتَهَى.
(قُلْت) فَعُلِمَ أَنَّ الْجَهْرَ الْعَالِيَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَدْخَلِ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْجَوَازَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَيْسَ هُوَ بِمَعْنَى اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا