خُرُوجِهِ إلَى الْجُمُعَةِ لِيَكُونَ أَمْلَكَ لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى بَكَّرَ أَدْرَكَ بَاكُورَةَ الْخُطْبَةِ وَهِيَ أَوَّلُهَا وَمَعْنَى ابْتَكَرَ قَدِمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مَعْنَى بَكَّرَ تَصَدَّقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَتَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْبَلَاءَ لَا يَتَخَطَّاهَا» وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: مَنْ قَالَ غَسَّلَ بِالتَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ جَامَعَ وَمَنْ قَالَ غَسَلَ بِالتَّخْفِيفِ أَرَادَ غَسَلَ رَأْسَهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ اغْتَسَلَ وَرَاحَ ثُمَّ أَحْدَثَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ لَمْ يَنْتَقِضْ غُسْلُهُ وَإِنْ تَبَاعَدَ أَوْ سَعَى فِي بَعْضِ حَوَائِجِهِ أَوْ تَغَدَّى أَوْ نَامَ انْتَقَضَ غُسْلُهُ وَأَعَادَ.
قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْدَثَ أَيْ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ ذَلِكَ سَوَاءٌ.
وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ أَمَّا الْمُتَعَمِّدُ فَيُعِيدُ الْغُسْلَ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ النَّوْمِ وَالْغِذَاءِ انْتَهَى.
وَلَوْ أَجْنَبَ بَعْدَ غُسْلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ غُسْلَهُ يَنْتَقِضُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا كَانَ جُنُبًا وَنَوَى غُسْلَ الْجُمُعَةِ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ أَوْ أَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَا يُجْزِيهِ ذَلِكَ لَا عَنْ الْجَنَابَةِ وَلَا عَنْ الْجُمُعَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّ شَرْطَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ حُصُولُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَحُكِيَ فِي تَعَالِيقِ أَبِي عِمْرَانَ فِي الْإِنْسَانِ يَذْكُرُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِلْ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فَيَغْتَسِلَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ حَتَّى تَفُوتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجُ وَيُصَلِّيهَا بِغَيْرِ غُسْلٍ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَفِي الْإِكْمَالِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِلْغُسْلِ لِظَاهِرِ إنْكَارِ عُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ؛ وَلِأَنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ وَاجِبٌ فَلَا يُتْرَكُ لِسُنَّةٍ انْتَهَى.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا فِي التَّعَالِيقِ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ سَمَاعَ الْخَطِيبِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ الْغُسْلُ لِمَنْ لَا رَائِحَةَ لَهُ حَسَنٌ وَلِمَنْ لَهُ رَائِحَةٌ وَاجِبٌ كَالْحَوَّاتِ وَالْقَصَّابِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا نِيًّا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» فَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِذَا كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُصَلِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمَسْجِدِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُمْ وَكَانَ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا وَجَبَ أَنْ يُزِيلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الرَّوَائِحِ انْتَهَى مِنْ بَابِ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ مِنْ التَّبْصِرَةِ.
(الرَّابِعُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي أَوَائِلِ شَرْحِ التَّلْقِينِ وَأَمَّا غُسْلُ الْجُمُعَةِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَمْ لَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ لَيْسَ الْمَطْلُوبُ بِهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ إزَالَةَ عَيْنٍ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْخِطَابِ بِهَا النَّظَافَةَ وَإِزَالَةَ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَقَدْ يُخَاطَبُ بِهَا مَنْ لَا رَائِحَةَ عِنْدَهُ يُزِيلُهَا فَأُلْحِقَتْ بِحُكْمِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ الَّتِي لَا تُزَالُ بِهَا عَيْنٌ وَلِهَذَا مُنِعَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا بِمَاءِ الْوَرْدِ وَالْمَاءِ الْمُضَافِ الَّذِي لَا تُجْزِئُ الطَّهَارَةُ بِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا فِي أَصْلِ الشَّرْعِ إزَالَةُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ فَأُلْحِقَتْ بِطَهَارَةِ النَّجَاسَةِ الَّتِي الْغَرَضُ بِهَا إزَالَةُ الْعَيْنِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ.
وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالتَّقْرِيبِ الصَّحِيحُ افْتِقَارُهُ إلَى النِّيَّةِ
ص (وَجَازَ تَخَطٍّ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ)
ش: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَ إذَا رَأَى بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةً وَلْيَرْفُقْ فِي ذَلِكَ.
وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّخَطِّيَ بَعْدَ جُلُوسِهِ لَا يَجُوزُ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا يُكْرَهُ التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَظَاهِرُهَا الْكَرَاهَةُ لَكِنْ قَالَ ابْنُ نَاجِي كَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يَحْمِلُ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ آذَيْت وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ بِنَفْسِ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَمْتَنِعُ التَّخَطِّي وَإِنْ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَهُوَ كَذَلِكَ (قُلْت) فِي نَقْلِهِ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ قُصُورٌ فَقَدْ صَرَّحَ بِمَنْعِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَبِمَنْعِ جُلُوسِهِ التَّخَطِّي لِفُرْجَةٍ انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَيَجُوزُ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَقَبْلَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَا