فَإِنْ تَرَكَ عَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا، أَوْ نَاسِيًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ، انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ فِي نِيَّةِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْإِعَادَةِ فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ نَسِيَ الْجَنَابَةَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُعِيدُ أَبَدًا، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَعْلِيلُهُ فِيهَا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا كَانَ لِلْوُضُوءِ لَا لِلْغُسْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ أَبَدًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ، انْتَهَى.
وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَفْظُ الْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْدُورِ وَالْمَحْصُوبِ إذَا خَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَقَدْ أَصَابَتْهُمَا جَنَابَةٌ أَنَّهُمَا يَتَيَمَّمَانِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَحْدَثَا فِي ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُحْدِثَا يَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا: أَرَأَيْت الْجُنُبَ إذَا نَامَ، وَقَدْ تَيَمَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَحْدَثَ بَعْدَ مَا تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَمَعَهُ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ هَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ، أَوْ يَتَيَمَّمُ؟ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَغْسِلُ بِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَذَى، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلَيْسَ يَرَاهُ عَلَى الْجُنُبِ لَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَا فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ يَنْتَقِضُ بِتَيَمُّمِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَيَعُودُ إلَى حَالِ الْجَنَابَةِ كُلَّمَا صَلَّى، وَلَا يُجْزِئُهُ الْوُضُوءُ وَلَكِنْ يَنْتَقِضُ جَمِيعُ التَّيَمُّمِ وَيَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ كُلَّمَا صَلَّى، انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَيَمَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ وَمَعَهُ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ قَالَ: يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَلَا يَتَوَضَّأُ قَالَ: وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَنَفَّلَ فَلْيَتَيَمَّمْ، وَلَا يَتَوَضَّأُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَحْدَثَ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ الَّذِي كَانَ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ مَوْضِعُ الْوُضُوءِ وَحْدَهُ فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى مَكْتُوبَةٍ فَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ، أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ.
(فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ نَجَاسَةٍ كَانَ قَدْ مَسَّهَا بِيَدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ تَيَمُّمِ الْحَدَثِ، انْتَهَى.
وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَنْوِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ أَصْلًا وَالْأَوَّلُ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَهِيَ تَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلِاسْتِبَاحَةِ مِنْ الْحَدَثِ إمَّا الْأَكْبَرُ أَوْ الْأَصْغَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: لَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ أَجْزَأَهُ عَنْ تَيَمُّمٍ لِوُضُوءٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ سَنَدٌ إذَا تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ أَنَّهُ جُنُبٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ جُنُبٍ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ثُمَّ وَجَّهَ ذَلِكَ (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي فَرَائِضِ الْوُضُوءِ لَا يَلْزَمُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَنْ يُعَيِّنَ بِنِيَّتِهِ الْفِعْلَ الْمُسْتَبَاحَ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ مُشْتَرَطٌ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى مَعْنَى الْإِيجَابِ فَانْظُرْ الْفَرْقَ قَالَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ، انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا عَنْ الْبَاجِيِّ وَهُوَ فِي الْمُنْتَقَى فِي تَرْجَمَةِ وُضُوءِ النَّائِمِ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ عَزَا الْقَوْلَ بِالِاسْتِحْبَابِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ نَصٌّ عَنْهُمَا وَاَلَّذِي فِي الْمُنْتَقَى وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَهَا يَتَيَمَّمُ لَهَا أَيْضًا قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ أَصْحَابِنَا: وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ أَعَادَهُ لَهَا، انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ جَزَمَ بِهِ سَنَدٌ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَيَمُّمِهِ لِلْأُولَى ذَكَرَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ حُكْمَهَا فِي التَّرْتِيبِ بَعْدَ الْأُولَى صَلَّى الْأُولَى ثُمَّ تَيَمَّمَ لِلثَّانِيَةِ فَصَلَّاهَا، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ حُكْمَهَا فِي التَّرْتِيبِ قَبْلَ الْأُولَى لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهَا بِهِ، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ أَبَدًا وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ فِيهَا: مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ إيجَابُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ خَصَّصَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُ صَلَاتَانِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اتَّصَلَتَا وَنَوَاهُ لَهُمَا، وَلَا صَلَاةَ بِتَيَمُّمٍ نَوَاهُ لِغَيْرِهَا، وَلَا صَلَاةَ بِتَيَمُّمٍ نَوَاهُ لَهَا