إذَا صَلَّى بِهِ غَيْرَهَا، أَوْ تَرَاخَى عَنْ الصَّلَاةِ بِهِ اشْتِغَالًا بِمَا سِوَاهَا، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ، أَوْ طَلَبَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا، انْتَهَى.
وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ لِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَفْعَلُ بِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْفَرْضِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ مُتَّصِلًا بِهِ وَدُخُولُ وَقْتِ الْفَائِتَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَذَكُّرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى فِعْلِهَا وَذَلِكَ عِنْدَ تَذَكُّرِهَا وَالْقِيَامِ إلَى فِعْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَكَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَمَنْ مَعَهُ فِيمَا يَنْوِيهِ الْمُتَيَمِّمُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَعْيِينُ الْفِعْلِ الْمُسْتَبَاحِ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فِعْلًا أَصْلًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا يَمْنَعُهُ الْحَدَثُ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا شَاءَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا، وَإِنْ أَرَادَ فَرْضًا قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ كَمَنْ عَيَّنَ لِمَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْجَمِيعِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِمْ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ بَعْضِ مَا يَمْنَعُهُ الْحَدَثُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ ثُمَّ يَفْعَلَ وَاحِدًا مِنْهَا، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الصَّلَاةَ الَّتِي يُرِيدُ فِعْلَهَا مِنْ فَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ اسْتِبَاحَةَ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى مُطْلَقَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ أَنَّ مُطْلَقَ الصَّلَاةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْفَرْضُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ فَيَكُونُ كَمَنْ نَوَى النَّفَلَ فَلَا يُجْزِئُهُ الْفَرْضُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَلَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا خِلَافٍ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ، انْتَهَى.
وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ اسْتِبَاحَةَ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ إمَّا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. أَمَّا لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا صَحَّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَيْضًا عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ رَفْعَ الْحَدَثِ وَاسْتِبَاحَةَ مَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالْفَرِيضَةَ وَذَكَرَ هُنَا اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَأَخْرَجَ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ وَبَقِيَتْ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ مَسْكُوتًا عَنْهَا مِنْ جِهَتِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهَا تَكْفِي هَهُنَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَلَا يَكُونُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، لَا رَفْعَ الْحَدَثِ لِلْحَصْرِ كَمَا يُوهِمُهُ لَفْظُهُ، انْتَهَى.
وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ تَكَرَّرَتْ إلَى أَنَّ الْجُنُبَ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ أَيْ: الصَّلَاةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَخَرَجَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصِيبَ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ بِالتَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ الْأَصْغَرَ وَيُجْزِئُهُ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ تَكَرَّرَ أَيْ: التَّيَمُّمُ وَيَعْنِي بِهِ إذَا نَوَى الْأَكْبَرَ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى تَيَمُّمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ حَدَثٌ أَصْغَرُ، انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ: أَيْ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: وَطَلَبُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَيْ يَطْلُبُ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ الصَّلَاةُ، انْتَهَى.
وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِهِ وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الْجَمِيعِ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْفَرْعَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَوْ بَالَ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ لِجَنَابَةٍ جَازَ أَنْ يَقْرَأَ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ إنَّمَا يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ فِي أَحْكَامِهِ كَمَا لَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ هَذَا مُخَالِفٌ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ مُوَافِقٌ لِأَخْذِهِ، انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَعُودُ جُنُبًا عَلَى مَا اخْتَصَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَقَالَ سَنَدٌ: إذَا تَيَمَّمَ مِنْ الْجَنَابَةِ لِفَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ نَافِلَةً، أَوْ يَتْلُوَ الْقُرْآنَ، فَإِنْ أَحْدَثَ فَلَا يَتْلُو حَتَّى يَتَيَمَّمَ وَقَالَ