كَرُفْقَةٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ حَوْلَهُ مِنْ كَثِيرَةٍ إنْ جَهِلَ بُخْلَهُمْ بِهِ)
ش هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مُوَالَاتُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ طَلَبُ الْمَاءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إذَا كَانَ يَتَوَهَّمُ وُجُودَهُ وَتَحْصِيلَهُ بِطَلَبِهِ فَأَحْرَى إذَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، أَوْ ظَنَّ وُجُودَهُ فَقَوْلُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ يَعْنِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا طَلَبَ الْمَاءَ لِصَلَاةٍ، وَلَمْ يَجِدْهُ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَطْلُبُ الْمَاءَ لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ فِي حُكْمِ الْأُولَى فِي تَوْجِيهِ الْخِطَابِ بِالطَّلَبِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْتَ الصَّلَاةِ الْأُولَى، أَوْ كَانَ فِيهِ وَحَدَثَ مَا يُوجِبُ تَوَهُّمَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِمَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يَقْتَضِي تَوَهُّمَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ عَدَمُهُ، وَقَدْ أَشَارَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَى هَذَا وَقَوْلُهُ لَا تَحَقُّقُ عَدَمِهِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ يُرِيدُ بِالتَّحَقُّقِ غَلَبَةَ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الشَّرْعِيَّاتِ مَعْمُولٌ بِهِ، وَأَمَّا الْقَطْعُ بِالْعَدَمِ فَقَدْ لَا يُتَصَوَّرُ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمَهُ طَلَبَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَدْخُلُ فِي هَذَا الظَّانُّ وَالشَّاكُّ وَالْمُتَوَهِّمُ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَوَهَّمَ وُجُودَهُ حَوَالَيْهِ فَلْيَتَرَدَّدْ إلَى حَدٍّ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، وَلَا مَشَقَّةٌ، وَلَا يَتَحَدَّدُ ذَلِكَ بِحَدٍّ إذْ الشَّابُّ لَيْسَ كَالْمَرْأَةِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الْمُتَوَهِّمَ لَا يَطْلُبُ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ تَحَقُّقَ الْعَدَمِ بِظَنِّ الْعَدَمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْعَدَمَ كَانَ وُجُودُهُ مُتَوَهَّمًا وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى أَنْ يَبْقَى التَّحَقُّقُ أَوَّلًا عَلَى بَابِهِ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَالْمُرَادُ بِالتَّحَقُّقِ الِاعْتِقَادُ الَّذِي لَا تَرَدُّدَ فِيهِ لَا التَّحَقُّقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الطَّلَبِ فَلَيْسَ مَنْ ظَنَّ الْعَدَمَ كَمَنْ شَكَّ، وَلَا الشَّاكُّ كَالْمُتَوَهِّمِ، انْتَهَى.
وَقَبِلَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ طَلَبًا لَا يَشُقُّ بِهِ يَعْنِي أَنَّ الطَّلَبَ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ هُوَ الطَّلَبُ الَّذِي لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَلَيْسَ الشَّيْخُ كَالشَّابِّ، وَلَا الرَّجُلُ كَالْمَرْأَةِ وَلَا الضَّعِيفُ كَالْقَوِيِّ قَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ فِيمَنْ تَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ مِنْهُ عَلَى مِيلٍ أَوْ نِصْفِ مِيلٍ وَهُوَ يَتَخَوَّفُ عَنَاءَ ذَلِكَ، أَوْ سَلَّابَةً، أَوْ سِبَاعًا لَا أَرَى عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ وَهُوَ يَتَخَوَّفُ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَسَوَاءٌ تَخَوَّفَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ وَدَلِيلُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَخَوَّفْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ عَلَى الْمِيلِ وَالنِّصْفِ وَفِي النَّوَادِرِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فَلْيَتَيَمَّمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَجِدُ مِنْ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ وَذَلِكَ مُفَسَّرٌ فِي رَسْمِ الْبَزِّ، وَأَمَّا الْمِيلَانِ فَهُوَ كَثِيرٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي سَفَرٍ، وَلَا حَضَرٍ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ مِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ، انْتَهَى.
وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَجْمُوعَ الْمِيلِ وَنِصْفِهِ يَسِيرٌ وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي الْجَرْيِ لِإِدْرَاكِ الْمَاءِ وَلَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَشْيِهِ الْمُعْتَادِ وَلَا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ أَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْعُدُولِ لَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ الْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي يَعْدِلُ لَهَا عَنْ الطَّرِيقِ وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ فَاتَهُ أَصْحَابُهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَخَفْ فِي نِصْفِ الْمِيلِ إلَّا الْعَنَاءَ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ، انْتَهَى.
مِنْ الْمَوَّاقِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ الَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ، وَلَا يَتَحَدَّدُ ذَلِكَ بِحَدٍّ يُرِيدُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمُعْتَادِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَطَلَبُ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ إنَّمَا يَجِبُ مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ لِطَلَبِهِ وَاَلَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ طَلَبِهِ فِي رَحْلِهِ وَسُؤَالِ مَنْ يَلِيهِ مِمَّنْ يَرْجُو وُجُودَهُ عِنْدَهُ، وَلَا يَخْشَى أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ وَالْعُدُولِ إلَيْهِ عَنْ طَرِيقِهِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا عَلَى قَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى