ذَلِكَ أَمْرٌ يَخَافُهُ فَأَرَى ذَلِكَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ خَوْفُهُ عَلَى الرَّجُلِ كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ سَوَاءٌ، وَقَدْ قَالَ فِي رَسْمٍ الْوُضُوءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: إنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ قَدْرُ وُضُوئِهِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ وَهُوَ كَمَا قَالَ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ أَيْضًا التَّلَفَ، وَلَا الْمَرَضَ، وَإِنَّمَا بِهِ عَطَشٌ خَفِيفٌ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ شُرْبُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَالتَّيَمُّمُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) أَطْلَقَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الدَّابَّةِ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَنَصُّهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ كَلْبٌ، أَوْ خِنْزِيرٌ يَقْتُلُهُمَا، وَلَا يَدَعُ الْمَاءَ لِأَجْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ ابْنُ هَارُونَ قَدْ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ قَتْلِ الْكَلْبِ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ الْمَذْهَبُ جَوَازُ قَتْلِهِ صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَإِذَا جَازَ قَتْلُهُمَا وَكَانَ الِانْتِقَالُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ غَيْرَ جَائِزٍ تَعَيَّنَ قَتْلُهُمَا، انْتَهَى.

(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ سَبَبِيَّةِ عَطَشِ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ الدَّمِ، وَأَمَّا الدَّابَّةُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ إلَّا عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا إنْ لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهَا وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً إنْ أُكِلَ لَحْمُهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُجْحِفُ بِهِ ذَبَحَهَا وَإِنْ أَجْحَفَ بِهِ جَازَ التَّيَمُّمُ، انْتَهَى.

وَاعْتَرَضَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ وَثَمَنُهُ يَسِيرٌ يَتْرُكُهُ يَمُوتُ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، انْتَهَى. وَعَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ احْتَرَزَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ مِثْلُهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْتُ إنْ أَمْكَنَ بَيْعُهُ، أَوْ بَيْعُ لَحْمِهِ بِرَخْصِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْمَاءَ، وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ أُلْغِيَ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَيُفْهَمُ مِنْ تَقْيِيدِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْآدَمِيَّ بِالْمَعْصُومِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ وَالْمُرْتَدَّ وَالزَّانِيَ الْمُحْصَنَ وَنَحْوَهُمْ لَا يُرَاعَى الْخَوْفُ مِنْ عَطَشِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا ثَبَتَ سَبَبُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ قَدْ يُقَالُ: إنَّ خَوْفَ الْعَطَشِ لَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ جَمْعُ الْمَاءِ وَيَشْرَبُهُ، وَأَمَّا مَعَ الْإِمْكَانِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَإِنْ قِيلَ تَعَافُهُ النَّفْسُ قِيلَ: عِيَافَتُهُ لَا تَنْهَضُ حُجَّةً فِي الْعُدُولِ عَنْ الْمَاءِ وَقُصَارَى مَا يُخَافُ مِنْهَا الْمَرَضُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّيَمُّمِ إذَا خَافَ حُدُوثَ الْمَرَضِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا إطْرَاحُ النَّظَرِ فِي جَمْعِهِ وَشُرْبِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: ذَكَرَ الشَّيْخُ هَذَا عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ وَاسْتِعْمَالُهُ مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ، وَلَمْ يَرِدْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَأَيْضًا فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(الْخَامِسُ) كَمَا يُرَاعَى فِي الْمَاءِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ شُرْبِهِ فَكَذَلِكَ يُرَاعَى أَنْ يَفْضُلَ عَمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ عَجْنٍ، أَوْ طَبْخٍ يَطْبُخُهُ لِمَصْلَحَةِ بَدَنِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الطَّبْخِ فَأَحْرَى الْعَجْنُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (أَوْ بِطَلَبِهِ تَلَفَ مَالٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ يُبَاحُ لَهُمْ التَّيَمُّمُ إذَا خَافُوا بِسَبَبِ طَلَبِهِمْ الْمَاءَ تَلَفَ مَالٌ مِنْ لُصُوصٍ، أَوْ سِبَاعٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَكُونُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ طَلَبٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْجُزُولِيُّ أَنَّهُمَا يَتَيَمَّمَانِ إذَا خَافَا أَنْ يُسْرَقَ مَتَاعُهُمَا إذَا ذَهَبَا إلَى الْمَاءِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقِيلَ: لَا يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ تَلَفِ الْمَالِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَأَحْسَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الْخَوْفَ، وَلَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَأَمَّا مَعَ تَحَقُّقِ الْخَوْفِ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فِي الْمَالِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي الْإِعَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ نَظَرٌ كَالْمُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ خَوْفًا مِنْ لُصُوصٍ، أَوْ سِبَاعٍ، انْتَهَى.

فَحُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْمَالِ الْكَثِيرِ وَبِذَلِكَ فَسَّرَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لَكِنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْيَسِيرِ مَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ فَأَقَلُّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ تَيَمَّمَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015