أَوَّلِ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَفِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ خَاصَّةً وَإِنْ جَمَعَهُ مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ حَيْثُ أَوْرَدَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ بَحْثًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي انْتِقَالِهِ لِلتَّيَمُّمِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بَحْثٌ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا مَنْصُوصًا.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالْبَرْزَلِيِّ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَا يَغْسِلُ بِهِ الْأَعْضَاءَ الْمَفْرُوضَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَيَتْرُكُ السُّنَنَ، وَلَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَغَيْرِهِ فِي الْمَاءِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَالْمَاءُ الْمُضَافُ كَالْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْقِينِ وَشَرْحِهِ، وَنَصُّهُ: قَالَ فِي التَّلْقِينِ: شَرْطُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ الْمَاءِ الَّذِي يَطْهُرُ بِهِ، أَوْ عَدَمُ بَعْضِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِيُخْرِجَ الْمَاءَ الْمُضَافَ وَالْمَاءَ الْيَسِيرَ تَحِلُّهُ النَّجَاسَةُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ يَتْرُكُهُ وَيَتَيَمَّمُ، وَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَوَانِي عِنْدَ مَنْ يَقُولُ يَتَيَمَّمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ وَجَدَ مَاءً لِلْغَيْرِ أَوْ مَاءً مُسَبَّلًا لِلشُّرْبِ خَاصَّةً هَلْ يُعَدُّ فَاقِدًا لِلْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَقْدَ الشَّرْعِيَّ كَالْفَقْدِ الْحِسِّيِّ وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْمَاءِ وَمَعَهُ جُنُبٌ فَرَبُّهُ أَوْلَى بِهِ قَالَ رَبُّهُ أَوْلَى لَا لِكَوْنِهِ مَيِّتًا بَلْ لِمِلْكِهِ، انْتَهَى. وَالْمَاءُ الْمُسَبَّلُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ إيَّاهُ فَلَا يُصْرَفُ فِي غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ حَمَلَ مَاءً عَلَى دَابَّةٍ وَدِيعَةً عِنْدَهُ تَعَدِّيًا هَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ؟ قَالَ: لَا وَيَتَيَمَّمُ، وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يُعِدْ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ.
ص (أَوْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَضًا، أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ) .
ش الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَيَعْنِي أَنَّ التَّيَمُّمَ يُبَاحُ لِمَنْ ذُكِرَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا خَافُوا الْمَرَضَ، أَوْ زِيَادَتَهُ، أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَتَيَمَّمُ لِمَا أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهُ فَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ يَتَيَمَّمَانِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لِلْفَرْضِ فَقَطْ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَأَمَّا جَوَازُهُ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِعْمَالِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: خَوْفُ تَلَفٍ، أَوْ زِيَادَةُ مَرَضٍ، أَوْ تَأْخِيرُ بُرْءٍ، أَوْ حُدُوثُ مَرَضٍ يُخَافُ مَعَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، انْتَهَى.
وَاكْتَفَى الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ أَوْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَضًا عَنْ خَوْفِ التَّلَفِ إذْ هُوَ أَحْرَى بِالنِّسْبَةِ إلَى خَوْفِ الْمَرَضِ وَفِي الْجَوَاهِرِ السَّبَبُ الْخَامِسُ الْمَرَضُ الَّذِي يُخَافُ مِنْ الْوُضُوءِ مَعَهُ فَوَاتُ الرُّوحِ أَوْ فَوْتُ مَنْفَعَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ، أَوْ تَأَخُّرَ الْبُرْءِ، أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ يُخَافُ مَعَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَكَذَلِكَ إنْ خَافَ الصَّحِيحُ نَزْلَةً، أَوْ حُمَّى فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ وَرَوَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّيَمُّمِ بِمُجَرَّدِ خَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ، أَوْ زِيَادَتِهِ إنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَتَأَلَّمُ فِي الْحَالِ، وَلَا يَخَافُ عَاقِبَتَهُ لَزِمَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ جَمِيعَهُ، وَلَفْظُهُ فِي الْآخِرِ: وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ فَلَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَشْهَبُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَرِيضٍ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ قَائِمًا لَقَدِرَ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ قَالَ: فَلْيُفْطِرْ وَلْيُصَلِّ جَالِسًا، وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَافَ الْجُنُبُ الصَّحِيحُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ ثَلْجٍ، أَوْ بَرْدٍ يَتَيَمَّمُ قَالَ مَالِكٌ: وَالْمَجْدُورُ وَالْمَحْصُوبُ إذَا أَصَابَتْهُمَا جَنَابَةٌ وَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا تَيَمَّمَا لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَحْدَثَا أَوْ لَمْ يُحْدِثَا، انْتَهَى مِنْ اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَكَلَامُ سَنَدٍ فِي شَرَحَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الصَّحِيحُ الْحَاضِرُ.
(تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الطَّبَرِيِّ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشَقَّةَ مِنْ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحَيْ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ.
(فَرْعٌ) يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ نَقَلَهُ سَنَدٌ وَأَصْلُهُ فِي الْوَاضِحَةِ