مَا لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وَمَا لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ، وَلَا لِلْغُسْلِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ. الثَّالِثَةُ وُجُودُ مَا لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ. وَالْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ سَوَاءٌ كَمَا قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي جُنُبٍ مُسَافِرٍ اغْتَسَلَ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ وَصَلَّى فَبَقِيَ عَلَيْهِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَيَتَيَمَّمُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَقَدْ اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ أَنَّهُ يَتْرُكُهُ وَيَتَيَمَّمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَذَهَبَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ إلَى أَنَّهُ يَبْنِي التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ وَيُكْمِلُ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَاَلَّذِي يُرَاعَى مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَنْ يَجِدَ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ فَإِنْ وَجَدَ أَقَلَّ مِنْ الْكِفَايَةِ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ مَا وَجَدَ مِنْهُ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فَرْضَهُ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ إمَّا الْمَاءُ وَإِمَّا التُّرَابُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مُغْنِيًا عَنْ التَّيَمُّمِ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ وُجُودُ الْكِفَايَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: يَسْتَعْمِلُ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: فَإِنْ وَجَدَ دُونَ الْكِفَايَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِعْمَالُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ مَعَ الْجُنُبِ مِنْ الْمَاءِ وَمَا يَتَوَضَّأُ بِهِ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَحْدَثَ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ بِهِ أَذًى غَسَلَهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَلَا يَتَوَضَّأُ، انْتَهَى.

زَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي اخْتِصَارِهِ وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ وَصَلَّى تَيَمَّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا، وَإِنْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ثُمَّ أَحْدَثَ، أَوْ نَامَ ثُمَّ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ الْوُضُوءِ لَمْ يُجْزِهِ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا، وَكَذَلِكَ يَعُودُ بِدُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ ثَانِيَةٍ وَنَقَلَهُ سَنَدٌ أَيْضًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا إذَا قِيلَ: إنَّ حُكْمَ الْوُضُوءِ مُطْرَحٌ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُ مَا ذَكَرَهُ بَلْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِلْزَامِ الْغُسْلِ لِلْوُضُوءِ، انْتَهَى. بَلْ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْغُسْلِ نَصٌّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُجْزِئُ الْغُسْلُ عَنْ الْوُضُوءِ أَكْثَرَ مَا يَسْتَعْمِلُ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ يُجْزِئُ فِي الْإِجْزَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْكَمَالِ وَلَا خِلَافَ عَلِمْتُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي سُقُوطِ الْوُضُوءِ تَقْدِيرًا، أَوْ يُقَدَّرُ الْآتِي بِالْغُسْلِ آتِيًا بِالْوُضُوءِ حُكْمًا، انْتَهَى. أَوْ لَعَلَّ هَذَا هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا: الْتَزَمَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا اسْتِعْمَالَهُ فِي الْوُضُوءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ الْأَعْرَجِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يُزِيلُ بِهِ بَعْضَ النَّجَاسَةِ وَيَأْتِي أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ عَوْرَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَجَدَ مِنْ الطَّعَامِ يَسِيرًا لَا يَمْسِكُ رَمَقَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَيْتَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ طَهَارَةُ بَعْضِ الْمَحِلِّ وَسَتْرُ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَفِي أَكْلِ الطَّعَامِ الْيَسِيرِ إمْسَاكٌ لِلرَّمَقِ، وَتَقَدَّمَ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ إلَّا مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ، أَوْ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْفُوَّاتِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ مَا سَقَطَ مِنْ أَعْضَائِهِ وَيُكْمِلَ وُضُوءَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَجَدَ مَاءً مُسْتَعْمَلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ هُنَاكَ بَلْ قَالَ ابْنُ هَارُونَ إنَّمَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْجَمِيعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي أَيْضًا فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015