لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى الْمَاءِ وَيَصِيرَ فِي مَعْنَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ كَالْجِنَازَةِ الْمُتَعَيَّنَةِ، أَوْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْمَاءِ بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ صَارَ بِذَلِكَ فِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: لَا أَحْفَظُ فِيهِ نَصًّا عَنْ الْمَذْهَبِ لَكِنْ رَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: يُمْنَعُ الْجُنُبُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ فَيَجِبُ إذَا اُضْطُرَّ لِدُخُولِهِ أَنْ يُبَاحَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَقَدْ أَرَيْنَاكَ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقًا يُرْشِدُكَ لِمَا سِوَاهُ، انْتَهَى.
وَذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي التَّيَمُّمِ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ نَفْسِهِ وَقَالَ بَعْدَهُ، انْتَهَى، ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ الْبَاجِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ.
(قُلْتُ) وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ وَنَصُّهُ: فَإِنْ الْتَجَأَ الْجُنُبُ إلَى دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِيَأْخُذَ مِنْهُ الْمَاءَ لِغُسْلِهِ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ كُلَّ فِعْلٍ مُنِعَ مِنْهُ الْجُنُبُ حَتَّى يَتَطَهَّرَ فَإِنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الطَّهَارَةِ لِذَلِكَ بِالْمَاءِ اسْتَبَاحَهُ بِالتُّرَابِ كَالصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ إذَا الْتَجَأَ إلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ، انْتَهَى.
وَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ فِي التَّوْجِيهِ وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ جَوَازُ تَيَمُّمِ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ لِلسُّنَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ مَا نَصُّهُ: مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ جُنُبٌ وَالدَّلْوُ فِيهِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ لِأَخْذِهِ، وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ انْتَظَرَ مَنْ يَأْتِي فَيُنَاوِلُهُ إيَّاهُ.
(قُلْتُ) مِثْلُهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ أَوْ يَدْخُلُ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ؟ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي سَأَلَ مَالِكًا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْهَا فَأَجَابَهُ ابْنُ الْحَسَنِ بِالْأَوَّلِ وَسَكَتَ مَالِكٌ وَعَكْسُهُ أَنْ تُصِيبَهُ جَنَابَةٌ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْبُخَارِيِّ جَوَازَ الْخُرُوجِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ " بَابُ جَوَازِ خُرُوجِ الْجُنُبِ مِنْ الْمَسْجِدِ " وَأَدْخَلَ خُرُوجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَسْلِ رَأْسِهِ الْحَدِيثَ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمَ (قُلْتُ) ذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فَأَعَادَ مُحَمَّدٌ سُؤَالَهُ فَأَعَادَ مَالِكٌ جَوَابَهُ فَأَعَادَ مُحَمَّدٌ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ: يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ لِأَخْذِ الْمَاءِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ مَالِكٌ، انْتَهَى. مِنْ بَابِ التَّيَمُّمِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمَشَذَّالِيِّ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ فِي عَكْسِ الْفَرْعِ: فَإِنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ فَهَذَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ لِخُرُوجِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْخَبَرِ وَالنَّظَرِ أَمَّا الْخَبَرُ فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَحْرَمَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ خَرَجَ» وَلَمْ يُرَ وَاحِدٌ أَنَّهُ تَيَمَّمَ، وَأَمَّا النَّظَرُ فَلِأَنَّهُ إذَا اشْتَغَلَ بِالتَّيَمُّمِ كَانَ لُبْثًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ فَكَانَ خُرُوجُهُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ يُعَدُّ تَرْكًا لِلْكَوْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَزْعًا عَنْهُ، انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ إذَا احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا قَالَ سَنَدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْ الْعَوْفِيِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ كَلَامَ صَاحِبِ النَّوَادِرِ وَكَلَامَ سَنَدٍ مَا نَصُّهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا نَامَ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا لَوْ نَامَ فِي بَيْتِ الْمَسْجِدِ فَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِخُرُوجِهِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ كَانَ مُضْطَرًّا لِلْمَبِيتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ تَيَمَّمَ لِلْمَبِيتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ مُكْثِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ لِخُرُوجِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى تَيَمُّمِهِ عَلَى تُرَابِ الْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (إنْ عَدِمُوا مَاءً كَافِيًا)
ش: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَالْحَاضِرِ الصَّحِيحِ وَيُصْرَفُ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ إلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَيَعْنِي أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَهُمْ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ مِنْهَا عَدَمُ الْمَاءِ الْكَافِي لِلطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الْأُولَى عَدَمُ الْمَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّانِيَةُ وُجُودُ