اللَّخْمِيُّ لِلْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَصُّهُ: وَيُخْتَلَفُ فِي السُّنَنِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوِتْرِ وَالْفَجْرِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِلنَّوَافِلِ وَلَا لِلسُّنَنِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجَنَائِزِ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عَلَى الْكِفَايَةِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ ابْنِ سَحْنُونٍ وَكَلَامَ ابْنِ وَهْبٍ الْمُتَقَدِّمَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا جَازَ لِلسُّنَنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا خَافَ خُرُوجَ وَقْتِ الْوَتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَفَرَاغَ الْإِمَامِ مِنْ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجَنَائِزِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَحَمَلَ كَلَامَ سَنَدٍ ابْنُ سَحْنُونٍ عَلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ قَالَ: وَلَوْ خَافَ فَوَاتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إنْ تَوَضَّأَ وَإِنْ تَيَمَّمَ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَدَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: حِكَايَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْخِلَافَ فِي السُّنَنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ التَّيَمُّمِ لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ فِي الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ التَّيَمُّمُ لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنْ تَنَاوَلَتْهُ كَانَ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، وَإِنْ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ لَهَا، انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي الْجِنَازَةِ إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ: وَوَجَّهَ الْقَوْلَ الْمَشْهُورَ بِالْمَنْعِ فَلَمْ يَجِبْ لِلتَّيَمُّمِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَكَمَا لَوْ مَرَّ بِسَجْدَةٍ وَهُوَ فِي سُوقِهِ، أَوْ دَخَلَ فِي طَرِيقِهِ مَسْجِدًا فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ التَّحِيَّةَ، أَوْ يَقْرَأَ فِي حَانُوتِهِ وَهُوَ جُنُبٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُهُ، انْتَهَى.
وَيَنْبَغِي لِلشَّخْصِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَلَا يُبَاحُ إلَّا بِهَا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ بِالتَّيَمُّمِ إذَا خَافَ فَوَاتَهُ وَكُلُّ فِعْلٍ تُنْدَبُ لَهُ الطَّهَارَةُ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرٌ، أَوْ الدُّعَاءِ وَالْمُنَاجَاةِ وَالنَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَخَافَ فَوَاتَ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَالتَّيَمُّمُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا خَيْرًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَيْسَ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ إحْدَاثُ قَوْلٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا حَصَلَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَتَقْلِيدُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي اكْتِسَابِ فَضِيلَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْهَا غَيْرُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ الَّذِي عَدِمَ الْمَاءَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَنِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ لِلسُّنَنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُرَادُهُ إذَا خَشِيَ إنْ تَشَاغَلَ بِتَحْصِيلِ الْمَاءِ أَوْ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوَاتَ الْوَقْتِ فَالْمَشْهُورُ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْحَاضِرِ مِنْ التَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ خَرَجَتْ الْفَرَائِضُ لِإِدْرَاكِ الْوَقْتِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا، انْتَهَى مُخْتَصَرًا. فَجَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَنْ يَخَافُ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْعَوْفِيِّ وَالْوَانُّوغِيِّ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْوَانُّوغِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ الْغُسْلَ فَقَطْ. قَوْلُهُ: وَصَلَّى، وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ دُخُولِهِ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لَا أَنَّهُ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي الْأَخْذِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ هَلْ مُرَادُهُ الْجُنُبُ الصَّحِيحُ، أَوْ الْمَرِيضُ؟ وَقَدْ نَقَلَ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْوَانُّوغِيُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: اُنْظُرْ لَوْ أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ إعَادَةِ مَا صَلَّى مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ لِلصَّلَاةِ؟ فَقَدْ يُقَالُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَالْإِعَادَةَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِمَا وَلِقَوْلِهِ لَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ لِسُنَّةٍ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ فَيَجُوزُ لِقَوْلِهَا يَتَيَمَّمَانِ لِلطَّوَافِ، انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ أَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَلْ فِيهِ تَجَوُّزٌ فَإِنَّ الطَّوَافَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَلَا يَكَادُ يُتَصَوَّرُ فِي الطَّوَافِ إلَّا لِلْمَرِيضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ إلَّا وَسَطَ الْمَسْجِدِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ