أَنَّهُ مُضَافٌ وَاللَّامُ زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى الْإِضَافَةِ وَهِيَ مُعْتَدٌّ بِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ اسْمَ لَا لَا يُضَافُ لِمَعْرِفَةٍ فَاللَّامُ لِصُورَةِ الْإِضَافَةِ وَغَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا قَبْلَهَا مَنْصُوبٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنَّمَا يُنْصَبُ بِهَا إذَا كَانَ مُضَافًا وَيَشْكُلُ عَلَيْهِمْ لَا أَبَا لِي بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَإِنَّهُ لَا يُنْصَبُ بِالْأَلِفِ إذَا أُضِيفَ لِلْيَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُضَافِ وَيَشْكُلُ عَلَى قَوْلِهِمَا حَذْفُ التَّنْوِينِ وَسُمِعَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا أَبَاك بِدُونِ لَامٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ لَا أَبَا لَك وَلَوْ سُمِعَ لَأَمْكَنَ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُضَافِ وَالْخَبَرُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ مَحْذُوفٌ وَسُمِعَ مِنْ كَلَامِهِمْ لَا أَبَا لَك بِالْبِنَاءِ عَلَى الْفَتْحِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَوْلُهُ لَك هُوَ الْخَبَرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَوْ قَالَ لَا أَبٌ لَك بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ صَحَّ وَهَذَا اللَّفْظُ ظَاهِرُهُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ؛ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَهُوَ عَلَى الْمَجَازِ لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَقَوْلُهُ إنَّهُمْ لَيُرَوْنَ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ أَوَّلَهُ بِمَعْنَى الظَّنِّ وَبِفَتْحِهَا بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ قَوْلُهُ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ قَالَ ابْنُ التِّينِ يُرِيدُ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي الْكَثِيرَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَرَادَ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي الْقَلِيلَةِ لِأَنَّهُمْ الْأَكْثَرُ وَهُمْ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إنَّهَا لَبِلَادُهُمْ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِلَادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ تُحْمَى عَلَيْنَا فَجَعَلَ عُمَرُ يَنْفُخُ وَيَفْتِلُ شَارِبَهُ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ نَحْوَهُ وَزَادَ فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلُ ذَلِكَ أَلَحَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَالُ مَالُ اللَّهِ وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ وَالْأَرْضُ أَرْضُ اللَّهِ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ انْتَهَى.
(قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يُرَوْنَ يَعُودُ إلَى أَصْحَابِ الْمَوَاشِي الْمَمْنُوعِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ مَوَاشِيهِمْ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً ثُمَّ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ لَمْ يَدْخُلْ ابْنُ عَفَّانَ وَلَا ابْنُ عَوْفٍ فِي قَوْلِهِ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَالْكَلَامُ عَائِدٌ عَلَى عُمُومِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا عَلَيْهَا انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِرَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ عَاتَبَهُ فِي الْحِمَى بِلَادُ اللَّهِ حُمِيَتْ لِمَالِ اللَّهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَيْ مِنْ الْإِبِلِ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَنْ لَا يَجِدُ مَرْكَبًا وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عِدَّةَ مَا كَانَ فِي الْحِمَى فِي عَهْدِ عُمَرَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ إبِلٍ وَخَيْلٍ بَيَّنَهَا انْتَهَى وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَوْلُهُ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ أَيْ الْخَيْلُ الَّتِي أَعْدَدْتهَا لِأَحْمِلَ عَلَيْهَا مَنْ لَا مَرْكُوبَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَتْ عِدَّتُهَا أَرْبَعِينَ أَلْفًا انْتَهَى. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي.
(الرَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ عُمَرُ فِيهِ مِنْ التُّقَى وَأَنَّهُ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُدَاهِنْ عُثْمَانَ وَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَآثَرَ الْمَسَاكِينَ وَالضُّعَفَاءَ وَبَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ وَامْتَثَلَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَعْنِي إبِلَ الصَّدَقَةِ اهـ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ يَحْمِي لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ قُلْت يَقُومُ مِنْهُ طُولُ تَأْخِيرِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ لِتَأْخِيرِ مَصْرِفِهَا انْتَهَى.
(الْخَامِسَ عَشَرَ) قَالَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ مَا حَمَاهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُنْقَضُ فَلَا يُنْقَضُ حِمَى النَّقِيعِ وَأَمَّا مَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْوُلَاةِ فَيَجُوزُ نَقْضُهُ لِمَصْلَحَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاقِضُ هُوَ الَّذِي حَمَاهُ أَوْ غَيْرُهُ (قُلْت) هَذَا ظَاهِرٌ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَمَى النَّقِيعَ أَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ حِمًى لِلْمُسْلِمِينَ دَائِمًا وَأَمَّا إذَا حَمَاهُ فِي سَنَةٍ مِنْ السِّنِينَ وَلَمْ يُفْهَمْ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مُسْتَمِرٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُهُ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ عَلَى حِمَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَمَى الرَّبَذَةَ وَكَذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ مُسْلِمًا إنْ قَرُبَ) ش ظَاهِرُهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُحْمَى فِي الْقَرِيبِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ لِلْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَكِنْ رَكَنَ إلَيْهِ الْبَاجِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ