ثَانٍ لِابْنِ الْقَصَّارِ قَالَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمَوَاتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قَرِيبٍ وَلَا بَعِيدٍ وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ إنَّ حُكْمَهُمْ فِي الْبَعِيدِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ وَالْقَرِيبُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوهُ وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ وَالْقَرِيبُ هُوَ حَرِيمُ الْعِمَارَةِ مِمَّا يُلْحِقُونَهُ غُدُوًّا وَرَوَاحًا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَصُّهُ وَأَمَّا الْبَعِيدُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فِيهِ وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ أَهْلُ الْعُمْرَانِ مِنْ مُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى مِمَّا الْعَادَةُ أَنَّ الرِّعَاءَ يَصِلُونَ إلَيْهِ ثُمَّ يَعُودُونَ إلَى مَنَازِلِهِمْ فَيَبِيتُونَ بِهَا وَيَحْتَطِبُ الْمُحْتَطِبُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى مَنْزِلِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الدُّورِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى فِي كِتَابِ السِّدَادِ وَالْأَنْهَارِ وَحَدُّ الْبَعِيدِ مِنْ الْعُمْرَانِ الَّذِي يَكُونُ لِمَنْ أَحْيَاهُ دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ مَسْرَحُ الْعُمْرَانِ وَاحْتِطَابُ الْمُحْتَطِبِينَ إذَا رَجَعُوا إلَى الْمَبِيتِ فِي مَوَاضِعِهِمْ مِنْ الْعُمْرَانِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِمَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدْ قَدَّمَ أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ فَلَا يَكُونُ الْقَرِيبُ مَوَاتًا إذْ الْمَوَاتُ مَا انْفَكَّ عَنْ الِاخْتِصَاصِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْقَرِيبِ إحْيَاءٌ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَوَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ حَرِيمَ الْعِمَارَةِ مَانِعٌ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ثُمَّ يُنْظَرُ فِيهِ أَيْ فِي حَرِيمِ الْعِمَارَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ وَلَا يُبِيحُهُ الْإِمَامُ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَيَكُونُ الْمَوَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الدُّورِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ السِّدَادِ وَالْأَنْهَارِ.
وَنَصُّهُ: الْمَوَاتُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ النَّاسُ بِالْإِحْيَاءِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ غَانِمٍ عَنْهُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: 65] فَلَا يَصِحُّ الْإِحْيَاءُ إلَّا فِي الْبَوَارِ ثُمَّ قَالَ وَحُكْمُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَوَاضِعِهِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ بَعِيدٌ مِنْ الْعُمْرَانِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ لَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ فِي إحْيَائِهِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي إحْيَائِهِ ضَرَرٌ عَلَى مَنْ يَخْتَصُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ. فَأَمَّا الْبَعِيدُ مِنْ الْعُمْرَانِ فَلَا يُحْتَاجُ فِي إحْيَائِهِ إلَى اسْتِئْذَانِ الْإِمَامِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَمَّا الْقَرِيبُ مِنْهُ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِي إحْيَائِهِ عَلَى أَحَدٍ فَلَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَقِيلَ إنَّ اسْتِئْذَانَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاخْتُلِفَ إنْ وَقَعَ بِإِذْنِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ قِيلَ يَمْضِي مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْبَغَ وَأَشْهَبَ وَقِيلَ إنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ وَيَكُونُ لَهُ قِيمَةُ بُنْيَانِهِ مَنْقُوضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ يَكُونُ لَهُ قِيمَتُهُ قَائِمًا لِلشُّبْهَةِ فِي ذَلِكَ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. وَأَمَّا الْقَرِيبُ مِنْهُ الَّذِي فِي إحْيَائِهِ ضَرَرٌ كَالْأَفْنِيَةِ الَّتِي يَكُونُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا ضَرَرًا بِالطَّرِيقِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ بِحَالٍ وَلَا يُبِيحُهُ الْإِمَامُ انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ مَا نَصُّهُ عَلَى مَا اخْتَصَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الشَّعَارِي الْمُجَاوِرَةُ لِلْقُرَى وَالْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَهَا لَا يَقْطَعُ الْإِمَامُ مِنْهَا شَيْئًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْعَفَاءِ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا هِيَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ كَالسَّاحَةِ لِلدُّورِ وَإِنَّمَا الْعَفَاءُ مَا بَعُدَ وَتَعَقَّبَ الْفَضْلُ قَوْلَهُ فَقَالَ وَأَيْنَ يُقْطِعُ الْإِمَامُ إلَّا فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الشَّعَارِي الْقَرِيبَةَ مِنْ الْقُرَى جِدًّا لِأَنَّ إقْطَاعَهَا ضَرَرٌ بِهِمْ فِي قَطْعِ مَرَافِقِهِمْ مِنْهَا الَّتِي كَانُوا يَخْتَصُّونَ بِهَا لِقُرْبِهِمْ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي رَسْمِ الدُّورِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي رَسْمِ الدُّورِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَالشَّعَارِي هِيَ الشَّجَرُ الْمُخْتَلِطُ أَوْ الْأَرْضُ ذَاتُ الشَّجَرِ كَذَا فَسَّرَهَا أَهْلُ اللُّغَةِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ إحْيَاءِ الْقَرِيبِ الَّذِي فِي إحْيَائِهِ ضَرَرٌ وَأَمَّا مَا لَا ضَرَرَ فِي إحْيَائِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ