مَالِكٌ نَقْدَ الْكِرَاءِ فِي السُّفُنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْبَلَاغِ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ نَافِعٍ، وَقَالَ: لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ مَا قَطَعَ، فَإِنْ عَطِبَ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَادَّعَيْتَ النَّقْدَ صُدِّقَ عَلَيْكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَا يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لِلتُّهْمَةِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ انْتَهَى.
ص (كَمَعَ جُعْلٍ)
ش: أَيْ، وَكَذَلِكَ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إذَا جَمَعَهَا مَعَ الْجُعْلِ، وَقَالَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجُعْلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (فَرْعٌ:) لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْإِجَارَةِ مَعَ السَّلَفِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ دَفَعْت إلَى حَائِكٍ غَزْلًا يَنْسِجُ لَكَ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُسْلِفَكَ فِيهِ رِطْلًا مِنْ غَزْلٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ انْتَهَى.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يَحْرُمُ فِيهَا مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبَيْعِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ انْتَهَى.
ص (لَا بَيْعٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِجَارَةَ مَعَ الْبَيْعِ لَيْسَتْ بِفَاسِدَةٍ بَلْ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهَا مَعَهُ، وَأَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي غَيْرِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ كَمَا لَوْ بَاعَ لَهُ جُلُودًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ نِعَالًا لِلْمُشْتَرِي فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مَشْهُورٌ بِالْمَنْعِ خَلِيلٌ هُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ انْتَهَى.
وَقَوْلُ سَحْنُونٍ: هَذَا هُوَ الَّذِي فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي آخِرِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ عَنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَقَالَ: جَائِزٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ عَلَى حَالٍ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ كَبَيْعِهِ ثَوْبًا عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ خِيَاطَتَهُ، أَوْ قَمْحًا عَلَى أَنْ يَطْحَنَهُ، أَوْ فِيمَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ وَلَكِنْ يُمْكِنُ إعَادَتُهُ لِلْعَمَلِ كَبَيْعِهِ صُفْرًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْبَائِعُ مِنْهُ قَدَحًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَأَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ، وَلَا يُمْكِنُ إعَادَتُهُ لِلْعَمَلِ كَبَيْعِهِ غَزْلًا عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ نَسْجَهُ، أَوْ الزَّيْتُونَ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ عَصْرَهُ، أَوْ الزَّرْعَ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ حَصَادَهُ وَدَرْسَهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى.
وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي رَسْمِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَفِي رَسْمِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَفِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ، وَنَصُّهُ: وَأَمَّا إنْ ابْتَعْت ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ لَكَ أَوْ نَعْلَيْنِ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُمَا فَلَا بَأْسَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ ابْتَعْت مِنْهُ قَمْحًا عَلَى أَنْ يَطْحَنَهُ لَكَ فَاسْتَخَفَّهُ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ كَرِهَهُ، وَكَانَ وَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ مَعْرُوفًا، وَجُلُّ قَوْلِهِ فِيهِ: التَّخْفِيفُ عَلَى وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ: فَإِنْ هَلَكَ الثَّوْبُ أَوْ الْقَمْحُ قَبْلَ خِيَاطَتِهِ، أَوْ قَبْلَ طَحْنِهِ سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي قَدْرُ الْإِجَارَةِ، وَكَانَ ضَمَانُ الْبَاقِي مِنْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ غَيْرُ الْبَائِعِ يَتَوَلَّى عَمَلَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى عَمَلَهُ لَضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ صَانِعٌ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ الْقَبَّابُ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ زَادَ اللَّخْمِيُّ فِيمَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ وَتُمْكِنُ إعَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى جُمْلَةَ مَا يَعْمَلُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا أُعِيدَ نَقَصَ مِنْهُ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْهُ إلَّا دُونَ الْأَوَّلِ كَالْفِضَّةِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ صِيَاغَتَهَا، وَالصُّفْرُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مِنْهُ أَقْدَاحًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(الثَّانِي:) مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَنْ يَدْفَعَ الْإِنْسَانُ ثَوْبَهُ لِمَنْ يُرَقِّعُهُ لَهُ، أَوْ نَعْلَهُ لِمَنْ يُشْرِكُهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يُرِيَهُ الْجِلْدَ وَالرُّقْعَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبِيعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ مِنْ الصِّفَةِ فِي الشَّيْءِ الْغَائِبِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ حَالَةَ الْعَقْدِ هَذَا إذَا كَانَ عِنْدَ الصَّانِعِ الْجُلُودُ وَالرِّقَاعُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ انْضَافَ إلَى ذَلِكَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَجَلِ السَّلَمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَعْدَمُ ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى طُولِ الْأَجَلِ، وَيَكْفِي الْوَصْفُ التَّامُّ كَمَا فِي سَائِرِ السَّلَمِ، وَلَا يَكْتَفِي بِالْوَصْفِ إلَّا إذَا كَانَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْهُ غَيْرَ مَوْجُودٍ عِنْدَهُ حِينَ الْعَقْدِ، وَلَا