عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ تَأْخِيرِ النَّقْدِ إلَّا أَنْ يَنْقُدَ أَكْثَرَهُ، أَوْ ثُلُثَيْهِ، وَقَالَ مِثْلَهُ أَشْهَبُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ قَدْ اقْتَطَعَ الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْقُدَهُ الدِّينَارَ وَالدِّينَارَيْنِ يُرِيدُ فِي غَيْرِ الْحَجِّ انْتَهَى.
وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلُ الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ، وَالْيَسِيرُ الدِّينَارُ وَالدِّينَارَانِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةً أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْإِجَارَةُ مَضْمُونَةً بَلْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، أَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً إلَّا أَنَّهُ شَرَعَ فِيهَا، وَلَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، وَلَا عُرْفٌ وَالْأَجْرُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ مُيَاوَمَةً، وَهَذَا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْبَيَانِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، وَلَا عَادَةٌ أُخِذَ مُيَاوَمَةً قَالَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَتَنَاوَلُ الصَّنَائِعَ، بَلْ الْإِجَارَةُ فِي الْعُرْفِ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّانِعَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ انْتَهَى.
وَمِثْلُهُ يُقَالُ عَلَيْهِ، وَمَا قَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ هُوَ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الدَّعْوَى فِي الْإِجَارَةِ، وَنَصُّهَا: وَإِذَا أَرَادَ الصُّنَّاعُ وَالْأُجَرَاءُ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَامْتَنَعَ رَبُّ الْعَمَلِ حُمِلُوا عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ لَمْ يَقْضِ لَهُمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَمَّا فِي الْأَكْرِيَةِ فِي دَارٍ أَوْ رَاحِلَةٍ، أَوْ فِي إجَارَةِ بَيْعِ سِلْعَةٍ وَنَحْوِهِ فَبِقَدْرِ مَا مَضَى، وَلَيْسَ لِلْخَيَّاطِ إذَا خَاطَ نِصْفَ الْقَمِيصِ أَخْذُ نِصْفِ الْأُجْرَةِ حَتَّى يُتِمَّ؛ إذْ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى.
(الثَّانِي:) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ بَلْ مُعَيَّنَةً يَجُوزُ التَّقْدِيمُ، وَالتَّأْخِيرُ مَحِلُّهُ مَا إذَا شَرَعَ فِي الْعَمَلِ، أَوْ تَأَخَّرَ الشُّرُوعُ نَحْوَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْبَيَانِ: الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِثْلُ نَسْجِ الْغَزْلِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَضْمُونَةٌ فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، أَوْ تَعْجِيلِهِمَا، وَمُعَيَّنَةٌ فِي عَيْنِهِ فَتَجُوزُ بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ وَتَأْخِيرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَشْرَعُ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ شَرَعَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ انْتَهَى.
وَتَأْخِيرُ الشُّرُوعِ إلَى يَوْمَيْنِ لَا يَضُرُّ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَبُو الْحَسَنِ وَإِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَانْظُرْ كَلَامَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَكِرَاءُ دَابَّةٍ إلَى شَهْرٍ، وَنَقَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ مُعَيَّنًا عَلَى أَنْ لَا يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ إلَّا إلَى أَجَلٍ، وَكَانَ الْأَجْرُ شَيْئًا مُعَيَّنًا تَفْسُدُ هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَجْرِ مُعَيَّنًا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ، وَكَوْنُ الْعَمَلِ فِي عَيْنِ الْأَجِيرِ إلَى أَجَلٍ يَقْتَضِي تَأْخِيرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ:) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ صَرَّحَ بِكَوْنِ الْعَمَلِ مَضْمُونًا كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى كَذَا فِي ذِمَّتِكَ إنْ شِئْتَ عَمِلْتَهُ بِيَدِكَ، أَوْ بِغَيْرِكَ أَوْ مُعَيَّنًا كَاسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى عَمَلِ كَذَا بِنَفْسِكَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ كَقَوْلِهِ أَعْطَيْتُكَ كَذَا عَلَى خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ حُمِلَ عَلَى الْمَضْمُونِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ، أَوْ كَانَ عَمَلُهُ مَقْصُودًا لِرِفْقِهِ وَإِحْكَامِهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ التَّعْيِينَ كَاسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ، أَوْ عَلَى أَنْ تَخِيطَهُ، وَلَا يَقُولُ: أَنْتَ فَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ، أَوْ الْمُعَيَّنِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَضْمُونِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ، أَوْ يَكُونَ قَصْدَ عَمَلَهُ لِرِفْقِهِ وَإِحْكَامِهِ انْتَهَى.
(الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ فَتُّوحٍ: إنْ قَامَ مَنْ آجَرَ عَبْدَهُ يَطْلُبُ أَجْرَهُ بَعْدَ تَمَامِ عَمَلِهِ فَأُجْرَتُهُ تَجْرِي مَجْرَى الْحُقُوقِ فِي الْفُسْحَةِ وَضَرْبِ الْأَجَلِ، وَإِذَا آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ، أَوْ الْحُرُّ وَطَلَبَ ذَلِكَ بَعْدَ الْخِدْمَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَا كَالْحُقُوقِ عِنْدَ وُجُوبِهَا، وَيَجِبُ تَعْجِيلُ أَجْرِهِمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْطُوا الْأَجِيرَ حَقَّهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَ الْأَجِيرُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ يَطْلُبَ فَيُحْمَلَ مَحْمَلَ الْحُقُوقِ انْتَهَى.
(الْخَامِسُ:) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: كَرِهَ