فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ تَرَكَ لَهُمْ بَيَاضَ النَّخْلِ، فَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ هَذَا إذَا كَانَ فِي كَوْنِ الْبَيَاضِ بَيْنَهُمَا كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ:) فَلَوْ اشْتَرَطَ الْعَامِلُ الْبَيَاضَ الْيَسِيرَ وَزَرَعَهُ، ثُمَّ أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ: عَلَيْهِ كِرَاءُ الْبَيَاضِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الْعَامِلَ لَمَّا أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ أَبَى أَنْ يَتَمَادَى عَلَى عَمَلِ الْحَائِطِ إلَى آخِرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ سِقَائِهِ، وَلَوْ تَمَادَى عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْبَيَاضِ كِرَاءٌ قَالَ: وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَزَ الْعَامِلُ عَنْ الْأَصْلِ كَانَ عَلَيْهِ الْبَيَاضُ بِكِرَاءِ مِثْلِهِ فَشَبَّهَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى بِعَجْزِ الْعَامِلِ عَنْ الْعَمَلِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَغَائِبٌ إنْ وُصِفَ وَوَصَلَهُ قَبْلَ طِيبِهِ) ش يَعْنِي أَنَّهُ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْحَائِطِ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبَ الْغِيبَةِ، أَوْ بَعِيدَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا حَصَلَ الشَّرْطَانِ الْمَذْكُورَانِ الْأَوَّلُ: أَنْ يُوصَفَ لِلْعَامِلِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَصْفِ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَيَذْكُرَ مَا فِيهِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ، أَوْ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَهَلْ هُوَ بَعْلٌ، أَوْ سُقِيَ بِالْعَيْنِ، أَوْ بِالْغَرْبِ؟ وَتُوصَفُ أَرْضُهُ، وَمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَابَةِ، أَوْ غَيْرِهَا وَيَذْكُرُ مَا فِيهِ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَشْجَارِ وَعَدَدِهَا وَالْقَدْرِ الْمُعْتَادِ مِمَّا يُوجَدُ فِيهَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ (تَنْبِيهٌ:) وَانْظُرْ هَلْ يَكْتَفِي بِوَصْفِ رَبِّ الْحَائِطِ، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَصِفَهُ غَيْرُهُ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِوَصْفٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا: أَنَّ رُؤْيَةَ الْعَامِلِ لِلْحَائِطِ قَبْلَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ بِمُدَّةٍ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا تَقُومُ مَقَامَ الْوَصْفِ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ تُعْقَدَ الْمُسَاقَاةُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالظَّاهِرُ: الْجَوَازُ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ الْحَائِطِ الْغَائِبِ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ إذَا وُصِفَ كَالْبَيْعِ انْتَهَى.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَعْقِدَ الْمُسَاقَاةَ فِي زَمَنٍ يُمْكِنُ وُصُولُ الْعَامِلِ فِيهِ قَبْلَ طِيبِ الْحَائِطِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَوَصَلَهُ قَبْلَ طِيبِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طِيبِهِ فَلَا تَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَّا بَعْدَ الطِّيبِ (فَرْعٌ:) ، فَإِنْ عَقَدَ الْمُسَاقَاةَ فِي زَمَنٍ يُمْكِنُ وُصُولُهُ قَبْلَ الطِّيبِ فَتَوَانَى فِي طَرِيقِهِ، فَلَمْ يَصِلْ إلَّا بَعْدَ الطِّيبِ لَمْ تَفْسُدْ الْمُسَاقَاةُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ (فَرْعٌ:) وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ فِي خُرُوجِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَالْقِرَاضِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

ص (وَاشْتِرَاطُ جُزْءِ الزَّكَاةِ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّ الزَّكَاةَ تُخْرَجُ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الزَّكَاةَ فِي حَظِّ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ سَاقَاهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا فَشَأْنُ الزَّكَاةِ أَنْ يُبْدَأَ بِهَا، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ انْتَهَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَائِطَ فِي الْمُسَاقَاةِ إنَّمَا يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ إذَا كَانَ رَبُّهُ حُرًّا مُسْلِمًا، وَكَانَ فِي الْحَائِطِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَكَذَا إنْ كَانَ أَقَلَّ إذَا كَانَ لِرَبِّهِ حَائِطٌ آخَرُ إذَا ضُمَّ ثَمَرُهُ إلَى مَا خَرَجَ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ حُرًّا مُسْلِمًا أَمْ لَا؟ وَسَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ نِصَابٌ، أَوْ دُونَ النِّصَابِ؟ فَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَائِطِ، ثُمَّ يُقَسِّمُ رَبُّهُ وَالْعَامِلُ مَا بَقِيَ عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حِصَّتِهِ، وَلَا فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ، وَلَوْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا وَحَصَلَ لَهُ نِصَابٌ، وَلَوْ حَصَلَ لِلْعَامِلِ مِنْ حَائِطٍ لَهُ غَيْرِ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ بَعْضُ النِّصَابِ لَمْ يُضَمَّ إلَى مَا حَصَلَ لَهُ فِي الْحَائِطِ سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَمْ تَجِبْ؟ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ، وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْقِرَاضِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَزَكَاةُ الْمُسَاقَاةِ قَالَ فِي الْبَيَانِ الْوَاجِبُ إخْرَاجُهَا مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَرَةِ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا، أَوْ كَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015