فَلَا يَجُوزُ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا بَعْدَ الْبَحْثِ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا.
وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ عِصْمَتِهَا فَيَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ بَلْ لَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَكِيلًا فَيَجُوزُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي اللُّبَابِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الْحَاجِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِنَا وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ، وَتَابِعِيهِ كَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمْ فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ. طَرِيقَانِ، وَإِنَّمَا أَطَلْت الْكَلَامَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا الْمَنْعُ مِنْ تَوْكِيلِهِ وَتَوَكُّلِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ كَمَا عَلِمْت لَكِنْ يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا عَدَا تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ الْعِصْمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا)
ش: يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الشَّرِكَةِ ابْتِدَاءً الْجَوَازُ، فَإِذَا انْعَقَدَتْ لَزِمَتْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ كَجُزْأَيْهَا الْبَيْعِ، وَالْوَكَالَةِ وَعُرُوضُ مَا يُوجِبُهَا بَعِيدٌ بِخِلَافِ مُوجِبِ حُرْمَتِهَا، وَكَرَاهَتِهَا، وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَصَحَّحَهُ بِسُكُوتِهِ عَنْهُ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ انْتَهَى.
وَفِي التَّوْضِيحِ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ انْتَهَى.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَاللَّخْمِيُّ وَشُرَّاحُ الْمُدَوَّنَةِ آيَاتٍ، وَأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى الْأَصْلِ فِي الشَّرِكَةِ كَآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَقَوْلِهِ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ} [الزمر: 29] وَقَوْلِهِ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] وَحَدِيثِ «أَيُّمَا دَارٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» وَحَدِيثِ «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ» وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} [الكهف: 19] ، وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَحَدِيثُ السَّفِينَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدْهِنِ فِيهَا كَمِثْلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيُضَيِّقُونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا لَا نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَّنَا نَنْقُبُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ عَزْوِهِ الْحَدِيثَ لِلتِّرْمِذِيِّ مَعَ أَنَّهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَكَأَنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ عَبْدَ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا لُزُومُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ: الْمَذْهَبُ لُزُومُهَا بِالْعَقْدِ دُونَ الشُّرُوعِ، وَاخْتُلِفَ فِي شَرِكَةِ الْحَرْثِ هَلْ هِيَ كَشَرِكَةِ الْأَمْوَالِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، أَوْ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْمَذْهَبَ لُزُومُ الشَّرِكَةِ بِالْعَقْدِ دُونَ الشُّرُوعِ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَفْهُومِ السَّمَاعِ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هِيَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ شَرِيكِهِ مَتَى شَاءَ، وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَمْ تَجُزْ إلَّا عَلَى التَّكَافُؤِ وَالِاعْتِدَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَضَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا يُخْرِجُهُ فَإِنَّمَا يَسْمَحُ فِي ذَلِكَ رَجَاءَ بَقَائِهِ مَعَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ فَصَارَ غَرَرًا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: هِيَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْفَصِلَ مَتَى شَاءَ إلَّا الشَّرِكَةَ فِي الزَّرْعِ فَفِي لُزُومِهَا خِلَافٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ