لَحِقَهُمَا دَيْنٌ أَيَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ فِي الْمَالِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِمَا وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ سَاقِطٌ لَا يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا (قُلْت) : ظَاهِرُهُ جَوَازُ تَوْكِيلِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَخْذِ الْمَشَايِخِ مِنْ مَفْهُومَاتِ الْمُدَوَّنَةِ الْأَحْكَامَ وَيُؤَيِّدُهُ سَمَاعُ أَصْبَغَ فِي الْعِتْقِ أَنَّ مَنْ قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّ مَا أَعْتَقَ ابْنِي، أَوْ أَحْدَثَ رَقِيقِي فَأَمْرُهُ جَائِزٌ وَابْنُهُ سَفِيهٌ ثُمَّ بَاعَ ابْنُهُ مِنْ رَقِيقِ أَبِيهِ عَشَرَةً جَازَ بَيْعُهُ عَلَى أَبِيهِ، وَإِنْ كُرِهَ إلَّا أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ مُحَابَاةٍ بَيِّنَةٍ وَوَكَالَةُ السَّفِيهِ كَغَيْرِهِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا إشْكَالَ، وَالتَّوْكِيلُ فِي الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِمَالِ وَلَدِهِ لَا تَجُوزُ لِسَفِيهٍ بِخِلَافِ وَصِيَّةٍ بِتَنْفِيذِ ثُلُثِهِ إلَى سَفِيهٍ، أَوْ غَيْرِ عَدْلٍ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ ثُلُثَهُ لَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا.
وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَنْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ دُيُونٍ لَهُ صَبِيًّا قَبْلَ بُلُوغِهِ فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ لِلْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَقِّ رَضِيَهُ وَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَتَهُ انْتَهَى.
وَلَفْظُ التَّهْذِيبِ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ الْمُتَقَدِّمَةِ: فَمَا لَحِقَهُمَا مِنْ دَيْنٍ فِيهِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ خَاصَّةً، وَلَا يَلْزَمُ ذِمَّتَهُمَا، وَلَا ذِمَّةَ الدَّافِعِ شَيْءٌ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي الْعِتْقِ إنَّمَا رَأَيْته فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورُ فِيهِ وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ هَذَا بَيِّنٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ مَنْ رَضِيَ تَوْكِيلَهُ مِنْ رَشِيدٍ، أَوْ سَفِيهٍ، فَيَلْزَمُهُ مِنْ فِعْلِ السَّفِيهِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ فِعْلِ الرَّشِيدِ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ وَكَّلَ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ لِيُسْلِمَ لَهُ فِي طَعَامٍ فَفَعَلَ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى.
وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ، أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ عَوَّضَ قَوْلَ التَّوْضِيحِ، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ، وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ لَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِإِذْنِ سَيِّدِ الْعَبْدِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ وَأَنْ يُوَكِّلَ عَلَى السَّلَمِ بِإِذْنِهِ انْتَهَى.
وَعِبَارَتُهُ، أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ؛ فَلِذَلِكَ ذَكَرْتهَا وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُؤَلِّفُ مِنْ الْجَوَابِ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ رَأَيْت مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: أَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا أَجْرَ عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ الْخَفِيفِ مِنْ الْعَمَلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُودَعُ فَيَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لَهُ أُجْرَةٌ يَدْفَعُهَا مَنْ وَكَّلَهُ إلَى سَيِّدِهِ الشَّيْخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ ذَلِكَ لَا خَطْبَ لَهُ لِكَوْنِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَتَى إلَى مَنْزِلِ الْعَبْدِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةٌ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي مُنَاوَلَةِ الْقَدَحِ وَالنَّعْلِ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ فِي الْمَشَذَّالِيِّ قَالَ: قَوْلُهُ " أَوْ مَحْجُورٌ " لَمْ يَتَكَلَّمْ هُنَا هَلْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُوَكِّلَ بِقِيمَةِ عَمَلِهِ، وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إنْ كَانَ عَمَلٌ لَهُ بَالٌ فَلَهُ قِيمَةُ عَمَلِهِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فَلَا انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ مَنْ وَكَّلَ عَبْدًا فَأَسْلَمَ لَهُ فِي طَعَامٍ مَضَى وَالسَّلَمُ لِلْآمِرِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا كَانَ لِسَيِّدِهِ إجَارَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا وَفَعَلَ ذَلِكَ لِيُصْلِحَ بِهِ وَجْهَهُ فِي تِجَارَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي إجَارَتِهِ ذَلِكَ يَسِيرَةٌ انْتَهَى.
مِنْ السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْخِصَامِ فِي تَخْلِيصِ مَالِهِ، وَطَلَبِ حُقُوقِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَيَصِحُّ عَلَى مَا قَالَهُ فِي اللُّبَابِ وَنَقَلَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ إنَّ غَيْرَهُ خَالَفَهُ فِيهِ، وَأَمَّا تَوْكِيلُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي مَالِهِ