يَوْمَ بَيْعِهِ يُسَاوِي أَمْثَالَ ثَمَنِهِ فَأَرَادَ نَقْضَ بَيْعِهِ بِذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا بِيعَ عَلَيْهِ وَالشُّفْعَةَ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ شَرِيكُهُ فَأَفْتَى بِأَنَّ لَهُ نَقْضَ الْبَيْعِ فِيمَا هُوَ قَائِمٌ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ مِنْ الْوَصِيِّ، وَهُوَ نِصْفُ حِصَّتِهِ لَا فِيمَا بَاعَهُ الْمُبْتَاعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُمْضَى وَلَهُ فِيهِ فَضْلُ قِيمَتِهِ عَلَى ثَمَنِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ لِفَوْتِهِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَائِزٌ فِيهِ غَبْنٌ عَلَى مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ يُرَدُّ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ، فَقَدْ قِيلَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُوفِيَ تَمَامَ الْقِيمَةِ، وَلَا يَرُدَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ، وَقِيلَ يُمْضَى لَهُ بِقَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ قَائِمَةٌ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ فِي سَمَاعِهِ مِنْ أَبِي زَيْدٍ وَلَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ نَظَائِرُ، وَالنِّصْفُ الْمَرْدُودُ عَلَى الْيَتِيمِ حِصَّتُهُ إنَّمَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ لَا عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ الثَّانِي لَا فِي بَقِيَّةِ حِصَّتِهِ.
وَلَا فِيمَا ابْتَاعَهُ مِنْ شُرَكَاءِ الْيَتِيمِ، وَلَا لَهُ عَلَى الْيَتِيمِ شُفْعَةٌ فِي الْحِصَّةِ الْمَرْدُودَةِ؛ إذْ لَيْسَ بِبَيْعٍ مَحْضٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمَحْضَ مَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْحِصَّةُ هُنَا مَغْلُوبٌ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ يَدِهِ، فَهُوَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْيَتِيمِ لِأَخْذِهِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَنَقْضُ بَيْعٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ بَيْعَ الْغَبْنِ يُفِيتُهُ الْبَيْعُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ فَأَحْرَى بَيْعُ الْغَبْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ إلَّا بِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ يَنْتَقِضُ جَبْرًا، وَهَذِهِ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فِيمَنْ أَخْطَأَ فَبَاعَ سِلْعَةً مُرَابَحَةً بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهَا فَقَامَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، قَالَ فِيهَا: لَهُ الرُّجُوعُ فِي سِلْعَتِهِ إنْ لَمْ تَفُتْ وَيُفِيتُهَا مَا يُفِيتُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْغَبْنِ عَنْ الْأَيْتَامِ فِيمَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ وَبَيْنَ الْغَبْنِ عَلَى أَحَدٍ فِيمَا بَاعَهُ لِنَفْسِهِ فِيمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ بِالْغَبْنِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا بِاخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ وَإِنْ خَالَفَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّ لِلْقَائِمِ بِالْغَبْنِ نَقْضَ الْبَيْعِ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ، وَأَمَّا فِي فَوَاتِهَا فَلَا نَقْضَ وَأَنَّ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ يَفُوتُ بِالْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعُ:) فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ إنْ بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ فَكَانَ إذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ بِالْيَاءِ مَوْضِعَ اللَّامِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَهُ زَادَ بَعْضُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ وَأَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتُهَا عَلَى خِيَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَقَدْ تَجَاذَبَ الْحَدِيثَ مَنْ قَالَ بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: قَدْ جُعِلَ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لَمْ يُجْعَلْ لَهُ الْخِيَارُ إلَّا بِشَرْطٍ، وَلَا حُجَّةَ لِعَدَمِ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ (الثَّامِنُ:) .
قَالَ الْأَبِيُّ: وَانْظُرْ لَوْ قُلْت هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْيَوْمَ فِي الْعَقْدِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُوجِبُ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يُوجِبُ قَوْلُهَا قِيَامًا بِالْغَبْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالرَّجُلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ وَيُصَدِّرَ الشَّرْطَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ حَضًّا عَلَى النَّصِيحَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ قُلْ لَا خِلَابَةَ وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَنْ يَبِيعُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فَيَنْظُرُ لَهُ كَمَا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ انْتَهَى.
وَالْخِلَابَةُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَدِيعَةُ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: فَكَانَ إذَا بَايَعَ قَالَ لَا خِيَابَةَ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْثَغَ يُخْرِجُ اللَّامَ مِنْ مَخْرَجِ الْيَاءِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالنُّونِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ لَا خِذَابَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: وَهَذَا الرَّجُلُ اسْمُهُ حِبَّانُ بِالْحَاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالِدُ يَحْيَى وَوَاسِعُ بْنُ حِبَّانَ كَانَ قَدْ بَلَغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً شُجَّ فِي بَعْضِ الْمَغَازِي مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَصَابَتْهُ مَأْمُومَةٌ تَغَيَّرَ مِنْهَا لِسَانُهُ وَعَقْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَرَدَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ بِكُلِّ حَادِثٍ إلَّا أَنْ يَبِيعَ بِبَرَاءَةٍ)
ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَمَا بِيعَ مِنْ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ بَرَاءَةٍ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثَةِ، أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ، أَوْ عَيْبٌ، أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ دَاءٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ، أَوْ غَرِقَ، أَوْ سَقَطَ مِنْ حَائِطٍ، أَوْ خَنَقَ نَفْسَهُ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ فِي الثَّلَاثِ، وَلَوْ جُرِحَ، أَوْ قُطِعَ لَهُ عُضْوٌ كَانَ مَا نَقَصَهُ لِلْبَائِعِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ