يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ نَعَمْ يَتَخَالَفَانِ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ فَإِنَّ طَرِيقَةَ الْمَازِرِيِّ تَحْكِي الْخِلَافَ فِي الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ، وَطَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ تَحْكِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ لَمْ يَنْفِ الْخِلَافَ مُطْلَقًا بَلْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِضَعْفِهِ عِنْدَهُ فَلَا مُنَافَاةَ فِي الْحَقِيقَةِ (الثَّالِثُ:) إذَا عُلِمَ هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ وَالْإِرْشَادِ مِنْ تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ مُطْلَقًا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصُّ الْعُمْدَةِ: وَمَنْ بَاعَ، أَوْ ابْتَاعَ فَغُبِنَ غَبْنًا فَاحِشًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ: إنْ كَانَ بَصِيرًا بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ اسْتَسْلَمَ لِبَائِعِهِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ، وَنَصُّهُ: قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ: الْخِيَارُ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ فِي بَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَأَنَّهُ لَا قِيَامَ بِهِ فِي غَيْرِهِ إمَّا اتِّفَاقًا، أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا بِغَبْنٍ، وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ إلَّا الْمُسْتَرْسِلَ لَكَانَ مُقْتَصِرًا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَنْ حَكَى مَا تَقَدَّمَ: وَالْغَبْنُ قِيلَ الثُّلُثُ وَقِيلَ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْمَغْبُونِ الرُّجُوعُ بِالْغَبْنِ إمَّا فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، أَوْ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ فَقِيلَ قَدْرُ الْغَبْنِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ، وَفِي حَقِّ الْمُشْتَرِي أَنْ تَزِيدَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ، وَقِيلَ لَا يُحَدُّ بِالثُّلُثِ، وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ سِوَى مَا دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّهُ غَبْنٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْغَبْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي الْمُخْتَلَفِ فِي اعْتِبَارِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الْغَبْنَ الْمُتَّفَقَ عَلَى اعْتِبَارِهِ لَا يُوصَلُ فِيهِ إلَى الثُّلُثِ، وَلَا إلَى مَا قَارَبَهُ إذَا خَرَجَ عَنْ الثَّمَنِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ صَحَّ الْقِيَامُ بِهِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَيَكُونُ قَوْلًا ثَالِثًا انْتَهَى.

، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالِ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ، وَعَطَفَ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِقِيلَ فَقَالَ: وَالْغَبْنُ مَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، وَقِيلَ: الثُّلُثُ، وَقِيلَ: مَا زَادَ عَلَيْهِ انْتَهَى.

وَعَلَى أَنَّ مَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ لَا قِيَامَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ فَقَالَ: إذَا قُلْنَا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ بِالْغَبْنِ الْمُتَفَاحِشِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَقْدِيرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّهُ بِالثُّلُثِ فَأَكْثَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا حَدَّ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَوَائِدُ بَيْنَ التُّجَّارِ فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ التَّغَابُنِ الَّذِي يَكْثُرُ وُقُوعُهُ بَيْنَهُمْ وَيَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَلَا مَقَالَ فِيهِ لِلْمَغْبُونِ بِاتِّفَاقٍ، وَمَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ فَالْمَغْبُونُ فِيهِ بِالْخِيَارِ (الْخَامِسُ:) مِمَّا اُتُّفِقَ فِيهِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ مَا بَاعَهُ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ مِنْ وَكِيلٍ، أَوْ وَصِيٍّ إذَا بَاعَ مَا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ أَنَّهُ مَرْدُودٌ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ مَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ هُوَ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُرَدَّ فِيهِ الْبَيْعُ إذَا لَمْ يُقْصَدْ إلَيْهِ وَيُمْضَى فِيهِ اجْتِهَادُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَأَشْبَاهِهِمَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ قَدْرُ الْغَبْنِ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ كَقَدْرِهِ فِي بَيْعِ مَنْ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ غَبْنُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ مَا نَقَصَ عَنْ الْقِيمَةِ نَقْصًا بَيِّنًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ، وَهُوَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهَا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ، أَوْ ابْتَاعَ بِمَا لَا يُشْبِهُ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْكَ.

(السَّادِسُ:) إذَا قُلْنَا بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ، فَهَلْ لِلْقَائِمِ نَقْضُ الْبَيْعِ، أَوْ الْمُطَالَبَةُ بِتَكْمِيلِ الثَّمَنِ، وَكَيْفَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُبْتَاعُ فِي ذَلِكَ بِبَيْعٍ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ يَتِيمٍ بَاعَ عَلَيْهِ وَصِيُّهُ حِصَّتَهُ مِنْ عَقَارٍ بِمُوجِبِ بَيْعِهِ لِشَرِيكِهِ فَكَمُلَ لِلشَّرِيكِ جَمِيعُ الْعَقَارِ، ثُمَّ بَاعَ الشَّرِيكُ نِصْفَ جَمِيعِ الْعَقَارِ، ثُمَّ رَشَدَ الْيَتِيمُ فَأَثْبَتَ أَنَّ عَقَارَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015