هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يُثْبِتَ الْخِيَارَ لِلْمَغْبُونِ مِنْهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا خِيَارَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّشَادِ وَالْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ، وَإِنْ كَانَا، أَوْ الْمَغْبُونُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ اهـ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَكَانَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ تَصَحَّفَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ الْمَعُونَةِ قَوْلُهُ نَفْي فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَكَلَامُهُ فِي التَّلْقِينِ وَالْإِشْرَافِ يُبَيِّنُ كَلَامَهُ فِي الْمَعُونَةِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا تَوْجِيهُهُ لِلْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا بَدَأَ بِتَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِنَفْيِ الْخِيَارِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الْقَاضِي كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِيهِ إجْمَالٌ يُبَيِّنُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ فِي حِكَايَتِهِ طَرِيقَةَ الْمَازِرِيِّ، وَنَصَّهُ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمَ.

قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ الْخِلَافُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمَغْبُونُ لَمْ يَسْتَسْلِمْ إلَى بَائِعِهِ، وَيَكُونَ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِقِيمَةِ مَا اشْتَرَاهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي الْغَبْنِ غَلَطًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ غَالِطٌ فَأَمَّا إذَا عَلِمَ الْقِيمَةَ فَزَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ كَالْوَاهِبِ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَرَضٍ لَهُ فَلَا مَقَالَ لَهُ وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَسْلَمَ لِبَائِعِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْقِيمَةِ، فَذَكَرَ لَهُ الْبَائِعُ مَا غَرَّهُ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطَيْتُ فِيهَا كَذَلِكَ، وَيُسَمِّيَ لَهُ بَائِعَهَا مِنْهُ قَالَ فَهَذَا مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ اهـ (الثَّانِي) : إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَهَلْ إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَيُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ، أَوْ يَسْتَأْمِنَهُ تَرَدُّدٌ يَقْتَضِي أَنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ طُرُقٍ: الْأُولَى: لَا قِيَامَ لِلْغَبْنِ، وَلَوْ اسْتَسْلَمَ، وَأَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ إلَّا إذَا اسْتَسْلَمَ وَأَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ وَالثَّالِثَةُ: لَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ إلَّا إذَا اسْتَأْمَنَهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى إلَّا إذَا حُمِلَتْ طَرِيقَةُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ الْمَعُونَةِ وَالتَّلْقِينِ عَلَى إطْلَاقِهَا، وَجُعِلَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: فِيهَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت قَدْ.

قَالَ فِي اللَّبَّانِ وَأَسْبَابُ الْخِيَارِ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ: الْغَبْنُ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ الْمُغَابَنَةُ بَيْنَ النَّاسِ مَاضِيَةٌ إنْ كَثُرَتْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ: لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ فَكَلَامُ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْخِلَافِ مُطْلَقًا قُلْتُ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْإِكْمَالِ قَبْلَ الْكَلَامِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ، وَهُوَ الْمُسْتَسْلِمُ لِبَيْعِهِ مَمْنُوعٌ، وَلَهُ الْقِيَامُ إذَا وَقَعَ اهـ. وَنَقَلَهُ الْأَبِيُّ عَنْهُ، وَقَدْ اعْتَمَدَ فِي الشَّامِلِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: وَهَلْ لِلْمَغْبُونِ فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ مَقَالٌ مُطْلَقًا، أَوْ لِغَيْرِ الْعَارِفِ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَالِاسْتِرْسَالِ كَبِعْنِي، أَوْ اشْتَرِ مِنِّي مِثْلَ النَّاسِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ بِالْقِيمَةِ، فَقَالَ لَهُ: هِيَ كَذَا إلَّا إنْ كَانَ عَارِفًا بِهَا، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ: خِلَافٌ وَشُهِرَ عَدَمُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا اهـ. فَقَوْلُهُ: وَشُهِرَ عَدَمُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي ذَلِكَ طَرِيقَةً رَابِعَةً فَإِنَّهُ بَدَأَ أَوَّلًا بِطَرِيقَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَلَى مَا نُقِلَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّوْضِيحِ، ثُمَّ بِطَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ، ثُمَّ بِطَرِيقَةِ الْمَازِرِيِّ، وَلَا يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِ الطَّرِيقَةِ الرَّابِعَةِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إثْرَ حِكَايَتِهِ الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي اهـ. فَإِنَّهُ أَرَادَ الْمَشْهُورَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ.

قَالَ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ اهـ. وَكَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ تِلْكَ طَرِيقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَوْ فُهِمَ أَنَّهَا طَرِيقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَحِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ لِلطَّرِيقَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّانِيَةَ مُنَافِيَةٌ لِلثَّانِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْقِيَامُ بِالْغَبْنِ كَمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015