مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: تَبِيعُنِي دَابَّتَكَ بِكَذَا فَيَقُولُ: لَا إلَّا بِكَذَا فَيَقُولُ: أَنْقِصْنِي دِينَارًا فَيَقُولُ: لَا فَيَقُولُ أَخَذْتُهَا بِذَلِكَ لَزِمَ الْبَائِعَ الْبَيْعُ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا لِدَلَالَةِ تَرَدُّدِ الْمُمَاكَسَةِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَاعِبٍ.

(قُلْت:) مُقْتَضَى تَبِيعُنِي جَوَابُهُ بَايَعْتُكَ فَإِلْزَامُهُ الْبَيْعَ يُعَارِضُهُ نَقْلُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ أَوْ يُقَيِّدُهُ بِغَيْرِ الْمُمَاكَسَةِ اهـ.

(قُلْت:) تَأَمَّلْ قَوْلَهُ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَبِيعُنِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ أَبِيعُكَ؛ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ السُّؤَالُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ أَوْ الْمَاضِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فَلَا شَكَّ أَنَّ تَرَدُّدَ الْمُمَاكَسَةِ فِيهَا يَنْفِي احْتِمَالَ عَدَمِ إرَادَةِ الْبَيْعِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، فَلِذَلِكَ لَزِمَ فِيهَا الْبَيْعُ، فَيُقَيَّدُ كَلَامُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ بِأَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِالْكَلَامِ مَا يَنْفِي احْتِمَالَ عَدَمِ إرَادَةِ الْبَيْعِ، وَلَوْلَا تَرَدُّدُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَكَانَتْ كَمَسْأَلَةِ السَّوْمِ الْآتِيَةِ أَوْ أَحْرَى كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْكَلَامُ فِي مُنَاقَصَةِ الثَّمَنِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَكْسِ، وَهُوَ مَا يُنْقِصُهُ الظَّالِمُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ مَالِ النَّاسِ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (أَوْ تَسَوَّقَ بِهَا فَقَالَ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِمِائَةٍ فَقَالَ: أَخَذْتُهَا)

ش: هَذِهِ مَسْأَلَةُ السَّوْمِ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَنْعَقِدُ فِيهَا الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ الْمُنْكِرُ لِإِرَادَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَوْلُهُ: تَسَوَّقَ بِهَا أَيْ أَوْقَفَهَا فِي السُّوقِ لِلسَّوْمِ، وَفَاعِلُ تَسَوَّقَ ضَمِيرٌ يَعُودُ لِلْبَائِعِ وَالضَّمِيرُ فِي بِهَا يَعُودُ لِلسِّلْعَةِ، وَفَاعِلُ قَالَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ يَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَفَاعِلُ قَالَ الثَّانِي يَعُودُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ جُمْلَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَخَذْتُهَا وَهِيَ فَقَالَ صَاحِبُهَا: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَحَلَفَ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَمِيعُ ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ وَيُفَرِّقُهُ ذِهْنُ السَّامِعِ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أَوْقَفَ سِلْعَتَهُ فِي السُّوقِ لِلسَّوْمِ فَقَالَ لَهُ شَخْصٌ: بِكَمْ تَبِيعُهَا فَقَالَ: صَاحِبُ السِّلْعَةِ بِمِائَةٍ مَثَلًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَخَذْتُهَا بِهَا فَقَالَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِهَا أَوْ كُنْتُ لَاعِبًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إيجَابَ الْبَيْعِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا سَاوَمَهُ عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ وَمَا سَاوَمَهُ إلَّا عَلَى كَذَا لِلْأَمْرِ الَّذِي يَذْكُرُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ وَلِمَالِكٍ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ أَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْبَى، وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ قَدْ وَقَفَ عَبْدَهُ لِلْبَيْعِ بِكَمْ عَبْدُك هَذَا فَيَقُولُ: بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَيَقُولُ: أَخَذْتُهُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ الْبَائِعُ مُجِيبًا مَكَانَهُ: لَا أَبِيعُهُ بِذَلِكَ أَتَرَى الْبَيْعَ لَازِمًا لَهُ.؟

قَالَ: نَعَمْ أَرَى ذَلِكَ لَازِمًا لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ السَّائِمُ: أَنَا آخُذُهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُك بِذَلِكَ فَقَالَ: السَّائِمُ: لَا آخُذُهُ بِذَلِكَ لَزِمَهُ الشِّرَاءُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، هَذَا خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَلَا الْمُشْتَرِيَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا سَاوَمَهُ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْإِمْكَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مُبْنَى مِنْهُ عَلَى وَجْهِ كَذَا وَكَذَا لِأَمْرٍ يَذْكُرُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ إنْ كَانَ الَّذِي سَمَّى قَدْرَ قِيمَةِ السِّلْعَةِ وَكَانَتْ تُبَاعُ بِمِثْلِهِ لَزِمَهُمَا الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ثَمَنَهَا حَلَفَ أَنَّهُ لَاعِبٌ وَلَمْ يَلْزَمْهُ، انْتَهَى. فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ وَهَكَذَا نَقَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَنَصُّ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ قَالَ لِمَنْ وَقَفَ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ بِكَمْ هِيَ فَقَالَ: بِكَذَا فَقَالَ: أَخَذْتُهَا بِهِ فَقَالَ: لَا أَرْضَى فَفِي لُزُومِ الْبَيْعِ لِمَنْ أَوْقَفَهَا وَلَغْوِهِ إنْ حَلَفَ مَا سَاوَمَهُ عَلَى الْإِيجَابِ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ ثَمَنَهَا أَوْ مَا تُبَاعُ بِهِ وَإِلَّا فَالثَّانِي لِسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ، وَلَهُمَا وَلِابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ ابْنُ رُشْدٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ السَّائِمُ أَنَا آخُذُهَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكهَا بِهِ فَقَالَ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015