لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ: أَنَا أَشْتَرِي مِنْك هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا أَوْ أَبْتَاعُهَا أَوْ آخُذُهَا فَأَجَابَهُ الْبَائِعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا أَرَدْتُ الشِّرَاءَ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الشِّرَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْأُولَى فَفَاعِلُ حَلَفَ.

وَقَالَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْبَائِعَ إنْ قَالَ: أَبِيعُكَهَا، وَالْمُشْتَرِي إنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهَا، وَفَاعِلُ لَزِمَ يَعُودُ إلَى الْبَيْعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ مَعَ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَوْقَهُمَا، وَعَنْهُ نَقَلَهُمَا ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُمْ وَقَبِلُوهُ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ السَّوْمِ الْآتِيَةَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَأَيْتُ فِيمَا أَمْلَاهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَهَا بِكَذَا أَوْ قَدْ أَعْطَيْتُكَهَا بِكَذَا أَوْ قَدْ أَخَذْتُهَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَبَى الْبَائِعُ وَقَالَ: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ لَمْ يَنْفَعْهُ وَلَزِمَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ ابْتَعْتُ مِنْكَ سِلْعَتَكَ بِكَذَا أَوْ قَدْ أَخَذْتُهَا مِنْكَ بِكَذَا فَرَضِيَ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ، وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَنَا: إمَّا أَبِيعُكَهَا أَوْ أُعْطِيكَهَا بِكَذَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ فَذَلِكَ لَهُ وَيَحْلِفُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَنَا أَشْتَرِيهَا أَوْ آخُذُهَا مِنْكَ بِكَذَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ فَذَلِكَ لَهُ وَيَحْلِفُ فَافْهَمْ افْتِرَاقَ هَذِهِ الْوُجُوهِ اهـ. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي مُقَرِّبِهِ وَزَادَ بَعْدَهُ وَهِيَ كُلُّهَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَطَرِيقَةُ فُتْيَاهُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ فِي الْمُقَرِّبِ: لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنَا أَفْعَلُ وَعْدٌ وَعَدَهُ إيَّاهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَوْلُهُ: قَدْ فَعَلْتُ إيجَابٌ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَافْتَرَقَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ فِي الْمُقَرِّبِ: وَحَاصِلُهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ بِلَفْظِ الْمَاضِي فَتَلْزَمُ أَوْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فَيَحْلِفُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ: حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ رُجُوعٌ، وَإِنْ أَتَى بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ عَلَى مَا أَرَادَهُ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ الْمُعْتَبَرَ فِي صِيَغِ عُقُودِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ: إنَّمَا هُوَ أَلْفَاظُ الْإِنْشَاءِ وَجَرَى الْعُرْفُ فِيهَا بِاسْتِعْمَالِ صِيغَةِ الْمَاضِي وَلَمْ يَجْرِ بِالْمُضَارِعِ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَوْ جَرَى الْأَمْرُ فِيهَا بِالْعَكْسِ لَانْعَكَسَ الْأَمْرُ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ هُوَ صَحِيحٌ اهـ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] الْبَيْعُ قَوْلٌ وَإِيجَابٌ بِاللَّفْظِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبِلِ فَالْمَاضِي فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْمُسْتَقْبَلُ كِنَايَةٌ وَيَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَبِالْكِنَايَةِ الْمَفْهُومِ مِنْهَا نَقْلُ الْمِلْكِ اهـ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ الْخِلَافَ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ يَدْخُلُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْآتِيَةَ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَعْنِي قَوْلَ الْمُشْتَرِي: أَنَا أَشْتَرِيهَا بِكَذَا، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهَا يَدْخُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَمِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَسُومُ بِالدَّابَّةِ فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ: تَبِيعُنِي بِكَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: لَا أَفْعَلُ إلَّا بِكَذَا فَيَقُولُ لَهُ الْمُشْتَرِي: أَنْقِصْنِي دِينَارًا فَيَقُولُ: لَا أُنْقِصُ فَيَقُولُ لَهُ الْمُشْتَرِي: قَدْ أَخَذْتُهَا بِمَا قُلْت: أَنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ الْبَيْعُ الْبَائِعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا إذْ تَبَيَّنَ بِتَرَدُّدِ الْمُمَاكَسَةِ أَنَّهُ مُجِدٌّ فِي السَّوْمِ غَيْرَ لَاعِبٍ اهـ. وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنِ يُونُسَ وَنَصُّهُ: قُلْتُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015