الْمُسْتَقْبَلِ مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بَيْعًا، بِخِلَافِ بِعْنِي فَإِنَّهُ لَفْظُ إيجَابٍ، وَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ الْكَاتِبِ فَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: أَتَبِيعُنِي أَبُو الْحَسَنِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْكَاتِبِ مُحْتَاجٌ إلَى دَلَالَةٍ، انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَقُولُ بِعْتُك يُرِيدُ أَوْ أَعْطَيْتُكَ أَوْ خُذْهَا أَوْ قَبِلْتُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْبِسَاطِيُّ لَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فَيَقُولُ فَعَلْتُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ: دُونَكَهَا بِعَشَرَةٍ وَبُورِكَ لَكَ فِيهَا أَوْ سَلَّمْتُهَا إلَيْكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: خُذْهَا بِعَشَرَةٍ، انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ كَلَامُ التَّوْضِيحِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبَيْنَ النِّكَاحِ فِي أَنَّهُ فِي النِّكَاحِ يَلْزَمُ بِقَوْلِهِ: زَوِّجْنِي فَيَقُولُ فَعَلْتُ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لَا أَرْضَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُكَ وَيَرْضَى الْآخَرُ فِيهِمَا)
ش: هُوَ أَيْضًا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ فِي قَوْلِ الْمُشْتَرِي: ابْتَعْتُ مِنْك هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا أَوْ اشْتَرَيْتُهَا أَوْ أَخَذْتُهَا إذَا صَدَرَ مِنْ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّالُّ عَلَى رِضَاهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا كَأَنْ يُعْطِيَهُ الْمَبِيعَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُك هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا أَوْ أَعْطَيْتُكهَا أَوْ مَلَّكْتُكَهَا بِكَذَا إذَا صَدَرَ مِنْ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، بِأَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ مِنْ أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ وَفِعْلٍ مِنْ الْآخَرِ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: وَيَرْضَى الْآخَرُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: الْآخَرُ أَيْ غَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فِيهِمَا لِلصُّورَتَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَيْعَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُ الْمُتَكَلِّمَ أَوَّلًا، وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ بَعْدَ مَا أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مَا أَرَدْتُ الشِّرَاءَ أَوْ مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا كُنْتُ مَازِحًا أَوْ أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ نَحْوَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي مُقَرِّبِهِ وَمُنْتَخَبِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَهُمَا الْآتِيَتَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ بِلَفْظِ الْمَاضِي أَوْ الْمُضَارِعِ وَحَكَمَ بِاللُّزُومِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَوْ، قَالَ الْآخَرُ: لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ وَلَمْ أُرِدْ الشِّرَاءَ وَسَاقَهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ، وَنَقَلَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْأَرْبَعَ عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَبِلُوا كَلَامَهُ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا بَعْدَ مَسْأَلَةِ السَّوْمِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ: فَلَوْ قُلْت لَهُ: أَخَذْتُ مِنْكَ غَنَمَكَ هَذِهِ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ: ذَلِكَ لَكَ فَقَدْ لَزِمَكَ الْبَيْعُ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَحَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَ إنْ قَالَ: أَبِيعُكَهَا بِكَذَا أَوْ أَنَا أَشْتَرِيهَا بِهِ)
ش: لَمَّا ذَكَرَ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَنْعَقِدُ فِيهِمَا الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ أَوْ مَا أَرَدْتُ الشِّرَاءَ ذَكَرَ مَا يَنْعَقِدُ فِيهِ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ أَوْ مَا أَرَدْتُ الشِّرَاءَ؛ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ جِهَتِهِ مُحْتَمِلًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ وَهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعَ مَسْأَلَةِ السَّوْمِ الْآتِيَةِ. أَمَّا هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ فَالْأُولَى مِنْهُمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ: أَبِيعُكَ سِلْعَتِي بِكَذَا أَوْ أُعْطِيكَهَا بِكَذَا فَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَقَالَ: الْبَائِعُ لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِهَا أَوْ كُنْتُ مَازِحًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَبِيعُكَهَا إيجَابَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ، وَقَوْلُنَا فَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، وَقَوْلُنَا: فَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: حَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ إنْكَارٌ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي