عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ وَيُؤْمَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ فَإِنْ دَخَلَا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِطَلْقَةٍ لِإِقْرَارِهِمَا بِالنِّكَاحِ وَحُدَّا إنْ أَقَرَّا بِالْوَطْءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ فَاشِيًا، أَوْ يَكُونَ عَلَى الْعَقْدِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَيُدْرَأُ الْحَدُّ بِالشُّبْهَةِ انْتَهَى.
وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْوَجْهَيْنِ: النِّكَاحُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ، وَعَدَمِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لِإِقْرَارِهِمَا بِالنِّكَاحِ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ وَتَكُونُ بَائِنَةً كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّهُ مِنْ الطَّلَاقِ الْحُكْمِيِّ وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ فَهُوَ بَائِنٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَوْلَى وَالْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا يُعْقَدُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَيُحَدَّانِ إنْ أَقَرَّا بِالْوَطْءِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُسْتَفْتِيَيْنِ، أَوْ فَشَا نِكَاحُهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَى الْفُشُوِّ وَعَدَمِهِ وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ لَهُمَا بِالنِّكَاحِ، أَوْ بِابْتِنَائِهِمَا بِاسْمِ النِّكَاحِ وَذِكْرُهُ وَاشْتِهَارُهُ كَالْأَمْرِ الْفَاشِي انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) شَهَادَةُ الْوَلِيِّ لَا تَدْرَأُ الْحَدَّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَاقِدٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وُجِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي بَيْتٍ فَشَهِدَ أَبُوهَا وَأَخُوهَا بِعَقْدِهَا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهُ وَيُعَاقَبَانِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ: وَإِنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ حُدَّا انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْوَطْءُ لَا بِالْإِقْرَارِ وَلَا بِالْبَيِّنَةِ وَلَكِنْ حَصَلَتْ الْخَلْوَةُ أَنَّهُمَا يُعَاقَبَانِ وَكَذَا لَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا بِالْوَطْءِ وَأَنْكَرَ الثَّانِي فَيُحَدُّ الْمُعْتَرِفُ، وَيُعَاقَبُ الْآخَرُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: يَقُومُ مِنْ هُنَا أَنَّ الْهَارِبَيْنِ يُعَاقَبَانِ وَإِنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ حُدَّا وَلَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْخَلْوَةِ مَنْ يَكُونُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَارٌ انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَفْذَاذِ فِي النِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ عِيَاضٌ: الْأَفْذَاذُ الْمُتَفَرِّقُونَ وَهُوَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الشُّهُودُ عَلَى شَهَادَةِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ وَالْوَلِيِّ إذَا عَقَدُوا النِّكَاحَ وَتَفَرَّقُوا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: أَشْهِدْ مَنْ لَقِيتَ أَبُو الْحَسَنِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا شَاهِدَانِ عَلَى الزَّوْجِ وَشَاهِدَانِ عَلَى الْوَلِيِّ وَشَاهِدَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَفِي الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ بِأَرْبَعَةٍ شَاهِدَانِ عَلَى الْمُنْكِحِ وَشَاهِدَانِ عَلَى النَّاكِحِ، وَأَمَّا إنْ أَشْهَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ صَاحِبُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَلَيْسَتْ بِأَفْذَاذٍ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبِكْرَ بِلَا وَلِيٍّ مُجْبِرٍ مِثْلُ الثَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي وَثَائِقِهِ: شَهَادَةُ الْأَفْذَاذِ لَا تَعْمَلُ شَيْئًا إذَا أَشْهَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ نَصِّ مَا شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى شَهَادَتِهِمْ وَاحِدًا حَتَّى يَتَّفِقَ شَاهِدَانِ عَلَى نَصٍّ وَاحِدٍ انْتَهَى وَسَمَّاهَا ابْنُ فَرْحُونٍ شَهَادَةَ الْأَبْدَادِ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ فِي غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ: الْأَبْدَادُ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَهُمْ الْمُتَفَرِّقُونَ وَاحِدُهُمْ بُدٌّ مِنْ التَّبَدُّدِ لِتَفَرُّقِ الشُّهُودِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
ص (وَلَا حَدَّ إنْ فَشَا وَلَوْ عُلِمَ)
ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ يَعْنِي لَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ إنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ انْتَهَى وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ صُورَتَانِ بِالْمَنْطُوقِ وَهُمَا الْفُشُوُّ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا صُورَتَانِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ وَهُمَا عَدَمُ الْفُشُوِّ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالْحَدُّ فِي الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي الثَّانِيَةِ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ قَائِلِينَ: الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ كَالْفُشُوِّ، اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ، وَأَمَّا إنْ جَاءَا مُسْتَفْتِيَيْنِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَحَرُمَ خِطْبَةُ رَاكِنَةٍ لِغَيْرِ فَاسِقٍ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَاشْتِرَاطُ الرُّكُونِ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَاحَ خِطْبَةَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ لِأُسَامَةَ وَقَدْ كَانَتْ خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو الْجَهْمِ وَأَيْضًا فَإِنَّهَا لَمَّا ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ وَمِنْ الْعَادَةِ أَنَّهُمَا لَا يَخْطُبَانِ دَفْعَةً دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ وَالرُّكُونُ ظُهُورُ الرِّضَا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق الرُّكُونُ التَّفَاوُتُ بِوَجْهٍ يُفْهَمُ مِنْهُ إذْعَانُ كُلِّ وَاحِدٍ لِشَرْطِ صَاحِبِهِ وَإِرَادَةُ