عَقْدِهِ وَإِنْ لَمْ يُفْرَضْ صَدَاقٌ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ لِابْنِ نَافِعٍ وَبِاشْتِرَاطِ تَقْدِيرِ الصَّدَاقِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ " لِغَيْرِ فَاسِقٍ " يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاكِنَةَ لِلْفَاسِقِ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إذَا رَكَنَتْ لِلْفَاسِقِ جَازَ لِلصَّالِحِ أَنْ يَخْطُبَهَا وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ كَلَامِهِمْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الثَّانِي مَجْهُولَ الْحَالِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى.
(قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالصَّالِحِ مَنْ لَيْسَ بِفَاسِقٍ وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ فِي رَسْمِ الْقِسْمَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ الْفَاسِقِ الْمَسْخُوطِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ يَخْطُبُ الْمَرْأَةَ فَتَرْضَى بِتَزْوِيجِهِ وَيُسَمُّونَ الصَّدَاقَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْفَرَاغُ فَيَأْتِي مَنْ هُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهُ وَأَرْضَى وَسَأَلَ الْخِطْبَةَ فَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى الْفَاسِقِ انْتَهَى.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَجْهُولَ أَحْسَنُ حَالًا مِمَّنْ هُوَ مَعْلُومٌ بِالْفِسْقِ.
(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلِلْمَرْأَةِ وَلِمَنْ قَامَ لَهَا فَسْخُ نِكَاحِ الْفَاسِقِ انْتَهَى.
(الثَّانِي) لَا يَجُوزُ خِطْبَةُ الذِّمِّيَّةِ الرَّاكِنَةِ لِذِمِّيٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْجُزُولِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالْأَخُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الذِّمِّيِّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: ذَلِكَ جَائِزٌ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ مَا نَصُّهُ: وَفِي قَوْلِهِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ مُسْلِمًا وَلَا تَضْيِيقَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى.
وَلَا يُقَالُ: هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاسِقِ مَنْ لَمْ يُقِرَّهُ الشَّارِعُ عَلَى فِسْقِهِ، وَالشَّارِعُ أَقَرَّ الذِّمِّيَّ عَلَى كُفْرِهِ وَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ كَانَتْ عَلَى كُفْرِهِ وَالْفَاسِقُ لَا يُقَرُّ عَلَى فِسْقِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ، وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الثَّالِثُ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ رُكُونُ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ أُمِّهَا وَغَيْرِهَا كَرُكُونِهَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا الرَّدُّ عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهَا انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ رُكُونُ الْمَرْأَةِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا لِخَاطِبٍ مَانِعٌ مِنْ خِطْبَةِ غَيْرِهِ إيَّاهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَخْطُبُ بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَتَقْيِيدُ الْبِسَاطِيِّ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا الرَّدُّ عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهَا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) مَنْ خَطَبَتْهُ امْرَأَةٌ وَرَكَنَتْ إلَيْهِ فَهَلْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا؟
لِلْحَنَابِلَةِ قَوْلَانِ وَاسْتَظْهَرُوا الْمَنْعَ وَفِي الْإِكْمَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ قَالَ فِي حَدِيثِ «الْمَرْأَةِ الَّتِي عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا» وَفِي قَوْلِ الرَّجُلِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ مَا لَمْ يَتَرَاكَنَا لَا سِيَّمَا مَا رَأَى مِنْ زُهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا قَالَ الْبَاجِيُّ: فِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِاسْتِئْذَانِ النَّاكِحِ؛ إذْ هُوَ حَقُّهُ عِيَاضٌ وَعِنْدِي أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا كُلِّهِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خِطْبَةٌ إلَّا مِنْ الْمَرْأَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهَا، وَالرَّجُلُ إنَّمَا طَلَبَ الْمَرْأَةَ وَخَطَبَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَخْطُبْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ حَتَّى يُقَالَ هِيَ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةٍ انْتَهَى.
فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَطَبَتْ رَجُلًا أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ الْأَوَّلِ خِطْبَةٌ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْخَامِسُ) هَلْ لِمَنْ رَكَنَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَانْقَطَعَ عَنْهَا الْخُطَّابُ لِرُكُونِهَا إلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَهَا، أَوْ يُكْرَهُ؟
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَةَ إنَّمَا كُرِهَتْ فِي الْعِدَّةِ قَالُوا: خَوْفَ اخْتِلَافِ الْوَعْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَرْعٌ قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ: أَكْرَهُ إذَا بَعَثَ رَجُلٌ رَجُلًا يَخْطُبُ امْرَأَةً أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّسُولُ لِنَفْسِهِ وَأَرَاهَا خِيَانَةً وَلَمْ أَرَ أَحَدًا رَخَّصَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَخِطْبَةُ رَجُلٍ عَلَى خِطْبَةِ آخَرَ قَبْلَ مُرَاكَنَةِ الْمَخْطُوبِ إلَيْهِ جَائِزَةٌ ابْنُ رُشْدٍ