أَبُو الْحَسَنِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِطَلْقَةٍ وَيُحَدُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي أَوَائِلِ شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَمُقْتَضَى الْآيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] الْآيَةَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ رِوَايَةً كَانَ، أَوْ شَهَادَةً وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْمُتَأَوَّلِ مَا خَلَا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ حُكْمِهِ بِصِحَّةِ عَقْدِ النِّكَاحِ الْوَاقِعِ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ فَعَزَاهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْقَوَانِينِ وَيُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى.
وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَا يَقْتَضِي الرَّدَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يَجُوزُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ غَيْرِ الْعُدُولِ وَفِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ فِيمَنْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا آخَرُ بِبَيِّنَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ وَدَخَلَ بِهَا وَأَقَامَ شُهُورًا قَلِيلَةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ؟
فَأَجَابَ: لَا تَبْقَى مَعَ زَوْجِهَا وَلَا تَحِلُّ لَهُ بِهَذَا النِّكَاحِ إذَا كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ وَلَوْ حَضَرَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ عَقْدَ النِّكَاحِ فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ فِي هَذَا قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَشَاهِدَيْنِ وَشَرْطُهُمَا أَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا الْعُدُولَ وَإِلَّا اسْتَكْثَرُوا الشُّهُودَ مِثْلَ الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ انْتَهَى
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ السُّيُورِيِّ: لَا يَشْهَدُ فِي النِّكَاحِ إلَّا الْعُدُولُ فِي الْوِكَالَةِ يَعْنِي فِي تَوْكِيلِ الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ مَنْ يَعْقِدُ نِكَاحَهَا وَفِي الْعَقْدِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ مَا ذَكَرَ يَعْنِي مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِ الْعُدُولِ عَلَيْهَا فِي الْوِكَالَةِ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلِمَ مِنْهَا الرِّضَا وَالدُّخُولَ بَعْدَ عِلْمِهَا مَضَى النِّكَاحُ انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَنَحْنُ نَشْتَرِطُ فِي جَوَازِ الدُّخُولِ تَقَدُّمَ الْإِشْهَادِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَوْ دَخَلَ قَبْلَ أَنْ يُشْهِدَ؛ حُدَّ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ وَفِيهِ أَنَّهُ نِكَاحُ السِّرِّ، ثُمَّ إنَّا نُجَوِّزُ شَهَادَةَ الْمُسْتَأْمَرِ عَلَى إذْنِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ.
(الثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَفِي الطِّرَازِ شَهَادَةُ الْخَاطِبَيْنِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ، وَقِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا أَخَذَا عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فَإِنْ لَمْ يَأْخُذَا أَجْرًا؛ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ لِأَنْفُسِهِمَا شَيْئًا وَكَانَتْ الْفُتْيَا تَجْرِي عَلَى هَذَا، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: شَهَادَةُ الشَّاهِدِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ الَّذِي كَانَ خَاطِبًا فِيهِ جَائِزَةٌ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ أَوْجُهِ التُّهْمَةِ الْقَادِحَةِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَأَعْرِفُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمُشْرِفِ لِمَنْ لَهُ الْإِشْرَافُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ؛ إذْ لَيْسَ بِيَدِهِ قَبْضٌ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ لَهُ مُطْلَقُ النَّظَرِ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَمَّنْ زَوَّجَ أُخْتَهُ الْبِكْرَ بِإِذْنِ وَصِيِّهَا هَلْ يَتِمُّ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْوَصِيِّ لِعَدَالَتِهِ؟
فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ فِي النِّكَاحِ؛ إذْ هُوَ الْمُنْكِحُ انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَأُجْرَةُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ عَلَى مَنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهَا مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَادَةٌ فَعَلَيْهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُمَا، وَلَا تَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِاتِّفَاقٍ وَلَكِنْ جَرَى الْعَمَلُ بِذَلِكَ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذُوا ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ هَذَا الزَّمَانِ لِكَاتِبِ الْوَثِيقَةِ مَعْلُومٌ وَالشَّاهِدِ مَعْلُومٌ وَلَا يَعْمَلُ إلَّا وَضْعَ شَهَادَتِهِ وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا انْتَهَى.
وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ أُجْرَةَ الْوَثِيقَةِ عَلَيْهِمَا مَعًا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ عُرْفٌ فَيُقْضَى بِهِ، قَالَ صَاحِبُ الْمِنْهَاجِ: وَأَمَّا الْأُجْرَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَلَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَيَا عَجَبًا لِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ أَيْنَ لَهُ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ، أَوْ سُنَّةٌ؟ انْتَهَى
ص (وَفُسِخَ إنْ دَخَلَ بِلَا هُوَ)
ش: مَفْهُومُ الشَّرْطِ إنْ دَخَلَا بَعْدَ الْإِشْهَادِ لَا يُفْسَخُ وَلَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدًا إلَى الِاسْتِسْرَارِ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْإِشْهَادُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يُشْهِدْ فَنِكَاحُهُ صَحِيحٌ وَيُشْهِدَانِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدًا إلَى الِاسْتِسْرَارِ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَا عَلَيْهِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -