أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: إنْ تَطَيَّبَ بِمَا يَبْقَى رِيحُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَطَيَّبَ بِهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا الْفِدْيَةُ.
وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْكَافَّةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي اسْتِحْبَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ اسْتِدْلَالَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا اُحْتُجَّ بِهِ لِمَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاحْتِجَاجَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ التَّطَيُّبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ: إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَزَعْمُ ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا فِدْيَةَ فِيهِ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ قَالَ: إذَا قُلْنَا لَا فِدْيَةَ فِيهِ مَعَ كَرَاهَتِهِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ بِمُجَرَّدِ صَبِّ الْمَاءِ، فَجَلَسَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ فَعَلَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَضَمِّخَ بِالْخَلُوقِ أَنْ يَغْسِلَهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ فِدْيَةً، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطِّيبُ فِي بَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَزَعَ ثَوْبَهُ لَا يَعُودُ إلَى لُبْسِهِ، فَإِنْ عَادَ فَهَلْ عَلَيْهِ فِي الْعَوْدِ فِدْيَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ لَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْعَفْوِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْزِعْهُ وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ لُبْسُ جَدِيدٍ وَقَعَ بِثَوْبٍ مُطَيَّبٍ انْتَهَى.
وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ مِنْ قَبْلِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ مَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ، أَمَّا ثَوْبُ الْمُحْرِمِ إذَا عَلِقَ بِهِ رِيحُ طِيبٍ، أَوْ بُخِّرَ بِعُودٍ، أَوْ نَدٍّ، وَشَبَهِهِ فَلَا يَلْبَسُهُ، فَإِنْ فَعَلَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُحْرِمُ فِي ثَوْبٍ فِيهِ رِيحُ مِسْكٍ، أَوْ طِيبٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا، أَوْ يَكُونَ كَالتَّطَيُّبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْرِجَ الْفِدْيَةَ إذَا فَعَلَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ تَطَيَّبَ حِينَئِذٍ أَمَّا مَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَيَفْتَدِي انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا بِرُمَّتِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَصْبُوغٌ لِغَيْرِ مُقْتَدًى بِهِ.
(تَنْبِيهٌ) : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الطِّيبِ الْبَاقِي مِمَّا قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَقَيَّدَهُ الْبَاجِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ بِحَيْثُ تَبْقَى مِنْهُ مَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِإِتْلَافِهِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَنَصُّهُ إثْرَ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا فِدْيَةَ فِيهِ إذَا وَقَعَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا قَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِإِتْلَافِ الطِّيبِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ بِإِتْلَافِهِ، أَوْ لَمْسِهِ فَتَجِبُ بِذَلِكَ الْفِدْيَةُ، وَهُوَ أَبْيَنُ انْتَهَى.
، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبَاجِيُّ أَيْضًا وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالشَّارِحُ وَقَبِلُوهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ
(فَرْعٌ) : وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّهْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لِمَالِكٍ جَائِزٌ أَنْ يَدْهُنَ عِنْدَ إحْرَامِهِ، وَبَعْدَ حِلَاقِهِ بِالْبَانِ غَيْرَ مُطَيَّبٍ وَالزَّيْتِ وَشَبَهِهِ وَلَا يُعْجِبُنِي مَا يَبْقَى رِيحُهُ اللَّخْمِيُّ، وَالْقِيَاسُ مَنْعُهُ مُطْلَقًا قَبْلَ إحْرَامِهِ كَمَنْعِهِ بَعْدَهُ كَمَنْعِ لُبْسِهِ، وَتَطَيُّبِهِ عِنْدَ إحْرَامِهِ، وَبَعْدَهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت: فَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ الشَّعَثِ وَإِزَالَتِهِ وَالْمُنَافِي لِلْإِحْرَامِ إزَالَتُهُ لَا عَدَمُهُ، وَلِذَا جَازَ إحْرَامُهُ إثْرَ احْتِمَامِهِ وَحَلْقِهِ وَمُنِعَ بَعْدَهُ انْتَهَى.
(قُلْت) : وَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ الشَّعَثِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَكِنَّ فِي التَّطَيُّبِ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ بَقَاءُ الرَّائِحَةِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا الدَّهْنُ، فَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ إزَالَةُ الشَّعَثِ.
وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَمْ تَحْصُلْ الْإِزَالَةُ حَالَ الْإِحْرَامِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ سَنَدٌ: أَمَّا الدَّهْنُ بِغَيْرِ الطِّيبِ، فَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْإِحْرَامِ، وَيُخْتَلَفُ فِيهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا يُخْتَلَفُ فِي التَّطَيُّبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَخُيِّرَ فِي نَزْعِ يَسِيرِهِ وَإِلَّا افْتَدَى إنْ تَرَاخَى)
ش: هَذَا رَاجِعٌ إلَى خَلُوقِ الْكَعْبَةِ فَقَطْ وَفُهِمَ مِنْهُ