مِنْ بُيُوتِ السُّقْيَا» قَالَ قُتَيْبَةُ: عَيْنٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يَكُنْ هَذَا بِإِسْرَافٍ فِي الرَّفَاهِيَةِ وَطَلَبِ اللَّذَّاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرَةُ مُؤْنَةٍ، وَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ كَبِيرُ قِيمَةٍ وَلَمْ يَطْلُبْ بِذَلِكَ التَّدَاوِي إلَّا مَحْضَ تَطَيُّبِ الرَّائِحَةِ، فَهُوَ سَرَفٌ مَمْنُوعٌ.

[فَرْعٌ شُرْبُ الْمُحْرِمُ مَا فِيهِ طِيبٌ]

(فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: وَسُئِلَ إنْ شَرِبَ الْمُحْرِمُ مَا فِيهِ طِيبٌ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا قَالَ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ رَأْيٌ انْتَهَى.

ص (إلَّا قَارُورَةً سُدَّتْ)

ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَمَلَ قَارُورَةً مَسْدُودَةَ الْفَمِ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ يُرِيدُ وَقَدْ أَسَاءَ فِي حَمْلِهِ لَهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ عَلِقَتْ بِهِ رَائِحَةُ الطِّيبِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْفِدْيَةَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فِيمَنْ فَرَشَ عَلَى ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ بِالزَّعْفَرَانِ ثَوْبًا كَثِيفًا لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْلَقَ بِجِسْمِهِ رِيحُهُ، فَإِنَّهُ يَفْتَدِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَمَصْبُوغٌ لِمُقْتَدًى بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَيْضًا أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا عَلِقَ فِيهِ رِيحُ الطِّيبِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ لَا فِدْيَةَ فِي حَمْلِ قَارُورَةٍ مُصَمَّمَةِ الرَّأْسِ إنْ أَرَادَ، وَلَوْ عَلِقَتْ رَائِحَتُهُ، فَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَطْفَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْقَارُورَةِ وَنَحْوِهَا بِفَأْرَةِ الْمِسْكِ غَيْرِ مَمْشُوقَةٍ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ تَطَيُّبٌ انْتَهَى.

(قُلْت) : لَمْ يَجْزِمْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا فِدْيَةَ فِي حَمْلِ قَارُورَةٍ مُصَمَّمَةِ الرَّأْسِ وَنَحْوِهَا يُرِيدُ لَا كَبِيرَ رَائِحَةٍ يُوجَدُ مِنْ الْقَارُورَةِ حِينَئِذٍ، أَوْ لَا يُوجَدُ أَلْبَتَّةَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِنَحْوِ الْقَارُورَةِ الْمُصَمَّمَةِ فَأْرَةُ الْمِسْكِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَمْشُوقَةٍ، وَفِيهَا عِنْدَهُمْ وَجْهَانِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظِ وَفِيهَا لِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِنَحْوِهَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَنَصُّهُ، وَأَمَّا إذَا حَمَلَ بِزِينَةٍ فِيهَا طِيبٌ، أَوْ خَرِيطَةً أَوْ خُرْجًا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَشَمَّهُ، فَهَذَا أَسَاءَ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَقْ بِيَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بِبَشَرَتِهِ، وَلَا بِثِيَابِهِ بِخِلَافِ مَنْ بَاشَرَهُ فَإِنَّ رَائِحَتَهُ تَعْلَقُ بِيَدِهِ، فَافْتَرَقَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ زُجَاجَةً فِيهَا طِيبٌ، أَوْ أَخْرَجَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ بِرَائِحَتِهِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ رَائِحَةٌ مُجَاوِرَةٌ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهَا انْتَهَى. فَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَأَمَّلْهُ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي النَّوَافِجِ فَبَعِيدٌ جِدًّا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ مِنْهَا مِنْ الرَّائِحَةِ قَبْلَ شَقِّهَا مَا يَعْبَقُ رِيحُهُ بِالثِّيَابِ انْتَهَى.

(قُلْت) : وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّوَافِجَ طِيبٌ، وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِحَمْلِهَا، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الِاحْتِجَاجَ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِمَسِّ الطِّيبِ الْيَابِسِ، أَوْ حَمْلِهِ بِالثَّوْبِ قَالَ: وَقَدْ تُعَلَّقُ النَّوَافِجُ فِي الثِّيَابِ، وَيَحْمِلُهَا النَّاسُ لِقَصْدِ التَّطَيُّبِ بِهَا، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَوْنِهَا مَشْقُوقَةً أَمْ لَا.

ص (وَمَطْبُوخًا)

ش: وَإِنْ طُبِخَ، وَلَمْ يَصْبُغْ الطِّيبُ الْفَمَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ صَبَغَهُ فَنَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ نَفْيُ الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِمَا الْجَوَازَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ فَإِنْ كَانَ الطِّيبُ فِي طَعَامٍ، فَإِمَّا أَنْ يُطْبَخَ مَعَهُ، أَوْ يُجْعَلَ فِيهِ بَعْدَ طَبْخِهِ، وَفِي الْأَوَّلِ إمَّا أَنْ يُمِيتَهُ الطَّبْخُ أَوْ لَا، فَإِنْ أَمَاتَهُ الطَّبْخُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا، فَالْفِدْيَةُ فِيهِ، فَإِنْ مَسَّهُ، فَلَمْ يَعْلَقْ بِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ مَسَّ الطِّيبَ افْتَدَى لَصِقَ بِهِ، أَوْ لَا، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَقْ بِهِ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ: وَمَطْبُوخًا قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَطْبُوخِ مَعَ الطَّعَامِ وَإِطْلَاقُهُ هُنَا يُنَافِي ذَلِكَ التَّفْصِيلَ انْتَهَى.

ص (وَبَاقِيًا مِمَّا قَبْلَ إحْرَامِهِ)

ش: يُرِيدُ، وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ مَنَعَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطِّيبَ الْمُؤَنَّثَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ إذَا فَعَلَهُ فَالْمَشْهُورُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015