أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِي نَزْعِ الْيَسِيرِ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ أَنَّ الْخَلُوقَ فِيهِ مِنْ الطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ لِإِيجَابِهِ الْفِدْيَةَ فِي كَثِيرِهِ إذَا لَمْ يَنْزِعْهُ، وَتَرَاخَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَإِلَّا افْتَدَى إنْ تَرَاخَى وَقَالَ سَنَدٌ: هَذَا فِي مُجَرَّدِ الْخَلُوقِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ مِسْكًا، أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الطِّيبِ، فَإِنَّهُ يَغْسِلُ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلْيَغْسِلْ مَا أَصَابَهُ مِنْ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ بِيَدِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ تَرَكَهُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قَالَ: وَإِنْ أَصَابَ كَفُّهُ مِنْ خَلُوقِ الرُّكْنِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ، وَأَنْ كَانَ يَسِيرًا، فَهُوَ مِنْهُ فِي سَعَةٍ، وَقَالَ بَعْدَهُ: لِأَنَّ الْخَلُوقَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْعُصْفُرِ وَالْعُصْفُرُ لَيْسَ مِنْ الطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ أَمَّا إذَا خَرَجَ الْخَلُوقُ بِمِسْكٍ، أَوْ كَافُورٍ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ الطِّيبِ، فَهَذَا يَتَوَقَّاهُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُبَاشِرُهُ فَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ عُفِيَ عَنْهُ إنْ أَزَالَهُ بِقُرْبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَإِنْ قَصَدَ مَسَّهُ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ لِعَدَمِ الْحَرَجِ انْتَهَى. .
وَفَسَّرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْخَلُوقَ بِأَنَّهُ طِيبٌ مُرَكَّبٌ يُتَّخَذُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ، وَتَغْلِبُ عَلَيْهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَخُيِّرَ فِي نَزْعِ يَسِيرِهِ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا تَرَكَهُ (قُلْت) : وَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ لَا شَيْءَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ.
(تَنْبِيهٌ) : قَوْلُهُ وَإِلَّا افْتَدَى إنْ تَرَاخَى مِنْ تَمَامِ مَسْأَلَةِ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهَا حُكْمُ مَسْأَلَةِ إلْقَاءِ الرِّيحِ، أَوْ الْقِيرِ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْزِعْ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَرَاخَى أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ سَوَاءٌ كَانَ يَسِيرًا، أَوْ كَثِيرًا (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمَاءُ لِيَغْسِلَ بِهِ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ، أَوْ مِنْ ثَوْبِهِ الَّذِي لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، وَطَالَ ذَلِكَ جَرَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيمَنْ ذَكَرَ لُمْعَةً كَانَ نَسِيَهَا فِي وُضُوئِهِ، وَبَعُدَ مِنْهُ الْمَاءُ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ هُنَا يَفْتَدِي؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَةِ الطِّيبِ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ إذْ لَوْ أَزَالَهُ بِبَوْلِهِ لَأَجْزَأَهُ فِي بَابِ الْإِزَالَةِ، وَيَكُونُ حَامِلُ نَجَاسَةٍ يَغْسِلُهَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَحَمْلُهُ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ فِي حَمْلِ الطِّيبِ انْتَهَى.
ص (كَأَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَقَ الْحَلَالُ رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَلَزِمَتْ الْحَلَالَ الْفِدْيَةُ، فَإِنَّهُ يَفْتَدِي بِغَيْرِ الصَّوْمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَفْتَدِ الْمُحْرِمُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْحَلَالِ بِالْأَقَلِّ إنْ لَمْ يَفْتَدِ بِالصَّوْمِ، فَلَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ، وَإِنْ حَلَقَ حِلٌّ مُحْرِمًا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ هُنَا أَنَّ حُكْمَ افْتِدَاءِ الْمُحِلِّ إذَا حَلَقَ رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ حُكْمُ افْتِدَائِهِ إذَا أَلْقَى الطِّيبَ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَبَيَّنَ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ حَلَقَ حِلٌّ الْمَوْضِعَ الَّذِي تَلْزَمُ الْفِدْيَةُ فِيهِ الْمُحْرِمَ، أَوْ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَلْزَمُ الْحَلَالَ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَرَجَعَ بِالْأَقَلِّ إنْ لَمْ يَفْتَدِ بِالصَّوْمِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا افْتَدَى عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْحَلَالِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الطَّعَامِ، أَوْ النُّسُكِ.
ص (وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْمُلْقِي فَدِيَتَانِ عَلَى الْأَرْجَحِ)
ش الْأَرْجَحُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَابِسِيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ سَنَدٌ: وَالْأَوَّلُ يَعْنِي قَوْلَ ابْنِ الْقَابِسِيِّ أَظْهَرُ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا مَسَّ الطِّيبَ بِيَدِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَمَسَّهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ حَلَقَ حِلٌّ مُحْرِمًا بِإِذْنٍ فَعَلَى الْمُحْرِمِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ)
ش: مَا ذَكَرَهُ هُنَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إذَا طَيَّبَ الْحَلَالُ الْمُحْرِمَ، أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ مَثَلًا بِأَمْرِ الْمُحْرِمِ، فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَإِنْ كَانَ الْمُحْرِمُ نَائِمًا، أَوْ مُكْرَهًا، فَعَلَى الْحَلَالِ الْفِدْيَةُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُحْرِمُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَعَلَ الْحَلَالُ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَقِفَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُوَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي آخِرِ بَابِ حَلْقِ الْمُحْرِمِ كَغَيْرِهِ، وَنَصُّهُ الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ قَصِّ أَظْفَارِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَكَمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ مُنِعَ غَيْرُهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ حِلٍّ، أَوْ مُحْرِمٍ وَمَنْ قَصَّهُ