وَلِلَّذِي يَقُومُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ أَجْرٌ لَعَمْرِي كَمَا لِلَّذِي يَحُجُّهُمْ أَجْرٌ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: يُكْتَبُ لِلصَّغِيرِ حَسَنَاتُهُ وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ وَلَا عَمِلْت لَهُ مُخَالِفًا مِمَّنْ يَجِبُ اتِّبَاعُ قَوْلِهِ انْتَهَى.
وَفِي الْإِكْمَالِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى طَاعَةٍ وَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتُهُ دُونَ سَيِّئَاتِهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاخْتُلِفَ هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ أَوْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ؟ وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ أَوْلِيَاؤُهُمْ بِحَمْلِهِمْ عَلَى آدَابِ الشَّرِيعَةِ وَتَمْرِينِهِمْ عَلَيْهَا وَأَخْذِهِمْ بِأَحْكَامِهَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَبْعُدُ مَعَ هَذَا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ بِادِّخَارِ ثَوَابِ مَا عَمِلُوهُ مِنْ ذَلِكَ لَهُمْ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي أَوَائِلِ الْمُقَدِّمَاتِ: لِلصَّبِيِّ حَالَانِ: حَالٌ لَا يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَهُوَ فِيهَا كَالْبَهِيمَةِ، وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِعِبَادَةٍ وَلَا مَنْدُوبٍ إلَى فِعْلِ طَاعَةٍ وَحَالٌ يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ فِيهَا مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ طَاعَةٍ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَمَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ إلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَإِنَّ وَلِيَّهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِتَعْلِيمِهِ وَالْمَأْجُورُ عَلَى ذَلِكَ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَنْدُوبَانِ إلَى ذَلِكَ مَأْجُورَانِ عَلَيْهِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ: وَلَكِ أَجْرٌ، الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَعِنْدَ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى طَاعَتِهِ وَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتُهُ كَانَ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَقَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَفَعَتْ صَبِيًّا، انْتَهَى. مِنْ مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ إحْرَامِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ إلَى آخِرِهِ.
(الثَّامِنُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْأَصَاغِرِ الذُّكُورِ وَفِي أَرْجُلِهِمْ الْخَلَاخِلُ وَفِي أَيْدِيهِمْ الْأَسْوِرَةُ وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ حُلَى الذَّهَبِ انْتَهَى. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ إبَاحَةُ لُبْسِ الْحُلِيِّ لَهُمْ وَهَذَا مَحَلُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى، وَالثَّانِي كَوْنُهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِنَزْعِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّبِيَّ يُمْنَعُ مِنْ لِبَاسِ الْمَخِيطِ وَيَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَخْرَجَ قَوْلِهِ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ بِالْمُخْتَصِرِ لَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ الْخَاتَمَ فَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ جِنْسِ الْمَخِيطِ وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَمَنْ مَنَعَ الْخَاتَمَ لِلرِّجَالِ مَنَعَ أَيْضًا لِلصَّبِيِّ الْخَلْخَالَيْنِ وَالسِّوَارَيْنِ انْتَهَى.
وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُتْرَكَ عَلَيْهِ مِثْلُ الْقِلَادَةِ وَالسِّوَارَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ الشُّيُوخِ فِي إبَاحَةِ الْمُحَلَّى لَهُمْ ثُمَّ قَالَ عَنْ التُّونُسِيِّ: يَشْغَلُ السِّوَارَ وَالْخَلْخَالِ مَحَلَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِ: يَنْزِعُ الْكَبِيرُ فِي إحْرَامِهِ مَا بِعُنُقِهِ مِنْ كُتُبٍ، انْتَهَى.
وَقَدْ رَأَيْت كَلَامَ التُّونُسِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَشْهُورِ مَذْهَبِهِ وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْمَوَّازِيَّةِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَمُطْبِقٌ)
ش: هُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَكَذَا يُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ قُرْبَ الْحَرَمِ وَيُجَرِّدُهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالْمَجْنُونُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ كَالصَّبِيِّ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ قَوْلُهُ: وَمُطْبِقٌ، أَيْ فَيُحْرِمُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَيُجَرِّدُهُ، وَلَيْسَ كَالصَّبِيِّ فِي تَأْخِيرِ تَجْرِيدِهِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَلِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمَا.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمُطْبِقُ هُوَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ انْتَهَى.
(قُلْت) وَلَا يَخْتَصُّ بِمَنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْأَحْسَنُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يُقَالَ: هُوَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَلَا يُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَلَوْ كَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ كَمَا يَأْتِي فِي الصَّبِيِّ.
(الثَّانِي) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " وَمُطْبِقٌ " مِمَّا إذَا كَانَ يُجَنُّ أَحْيَانًا وَيُفِيقُ أَحْيَانًا فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ بِهِ حَالَ إفَاقَتِهِ فَإِنْ عُلِمَ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يُفِيقُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَجُّ صَارَ كَالْأَوَّلِ، انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الشَّامِلِ وَنَصُّهُ: