كَافِلِهِ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ فِي وَقْتِهِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ وَيُعْفَى عَمَّا يَجْتَرِحُهُ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَإِنَّ عَمْدَهُ كَالْخَطَأِ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا تَجِبُ فَرِيضَةُ الْحَجِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ الْحُلُمَ وَالصَّغِيرَةُ الْحَيْضَ وَلَكِنْ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَجَّ بِهِمَا وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى.
ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: كَانَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحُجُّوا بِأَبْنَائِهِمْ وَيَعْرِضُونَهُمْ لِلَّهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي أَبِي دَاوُد وَنَصُّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ أَجْزَأَ عَنْهُ فَإِنْ عَتَقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ شُرُوطِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ السَّابِقِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمَا أَيْ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ فِي الْإِحْرَامِ بِالتَّجْرِيدِ، وَالتَّجْرِيدُ فِعْلٌ فَيَكُونُ كَلَامُهُ هُنَا مُوَافِقًا لِمَا سَبَقَ لَهُ وَأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا بُدَّ فِي انْعِقَادِهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ؛ لِأَنَّ التَّجْرِيدَ فِعْلٌ انْتَهَى.
((قُلْتُ)) وَهَذَا فِي الذَّكَرِ وَفِي الْأُنْثَى يَكُونُ الْفِعْلُ كَشْفَ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَالتَّوَجُّهَ عَلَى الطَّرِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَجُرِّدَ؛ أَنَّ الرَّضِيعَ يُجَرَّدُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَقَالَ الْبَرَاذِعِيّ أَيْضًا: وَإِذَا كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ فَلَا يُلَبِّي عَنْهُ أَبُوهُ وَإِذَا جَرَّدَهُ أَبُوهُ يُرِيدُ بِتَجْرِيدِهِ الْإِحْرَامَ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَيُجَنِّبُهُ مَا يُجَنِّبُ الْكَبِيرَ انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي سَنَدٌ مَسْأَلَةٌ وَسُئِلَ عَنْ صَغِيرٍ لَا يَتَكَلَّمُ حَجَّ بِهِ أَبُوهُ لَا يُلَبِّي عَنْهُ أَبُوهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ وَلَكِنَّهُ يُجَرِّدُهُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَعَلَى صِحَّتِهِ، أَيْ صِحَّةِ إحْرَامِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ يُحْرِمُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا بِتَجْرِيدِهِمَا نَاوِيهِ وَلَا يُلَبِّي عَنْهُمَا انْتَهَى.
وَلَا شَكَّ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ فِي كَلَامِهِ شَامِلٌ لَهُ وَلِلرَّضِيعِ لِمُقَابِلَتِهِ لَهُ بِقَوْلِ الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُحْرِمُ بِالرَّضِيعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: لَا يُجَرَّدُ الرَّضِيعُ وَنَحْوُهُ لِلْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا يُجَرَّدُ الْمُتَحَرِّكُ مِنْ الصِّغَارِ. وَقَبِلَهُ شَارِحَاهُ التِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ لَا يُجَرَّدُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إرَادَةُ الْإِحْرَامِ وَالْمَجْنُونُ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: لَا يُجَرَّدُ الرَّضِيعُ؛ لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهِ تَضْيِيعًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْسَكُ مَا يُجْعَلُ عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي مَنْسَكِ ابْنِ الْحَاجِّ وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فَيَتَحَصَّلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) يَشْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلِيُّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ قِبَلِ الْقَاضِي وَيَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْوَلِيِّ كُلُّ مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي كَفَالَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ.
(السَّادِسُ) سَيَأْتِي أَنَّ سَفَرَ الْوَلِيِّ بِالصَّبِيِّ وَالْكَافِلِ لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: جَائِزٌ وَمَمْنُوعٌ. فَفِي الْوَجْهِ الْجَائِزِ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ وَلَا كَبِيرَ ضَرَرٍ فِيهَا عَلَى الصَّبِيِّ وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّعَرِّي إنَّمَا كَانَ قَبْلُ فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ كَانَ إحْرَامُهُ أَوْلَى وَأَفْضَلَ، وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَى وَلِيِّهِ انْتَهَى.
وَكَلَامُهُ فِي الطِّرَازِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَأَصَابَ صَيْدًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْأَبِ انْتَهَى فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْعَقِدُ وَإِلَّا لَمَا لَزِمَهُ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعُ) تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ وَالْأَمْرُ بِاسْتِحْسَانِهِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يُكْتَبَ لِلصَّبِيِّ دَرَجَةٌ وَحَسَنَةٌ فِي الْآخِرَةِ بِصَلَاتِهِ وَزَكَاتِهِ وَحَجِّهِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي يَعْمَلُهَا وَيُؤَدِّيهَا عَلَى سُنَّتِهَا تَفَضُّلًا مِنْ اللَّهِ كَمَا تَفَضَّلَ عَلَى الْمَيِّتِ بِأَنْ يُؤْجَرَ بِصَدَقَةِ الْحَيِّ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَمْرِ الصَّبِيِّ بِالصَّلَاةِ إذَا عَقَلَهَا. وَصَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَسٍ وَالْيَتِيمِ، وَأَكْثَرُ السَّلَفِ عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يُؤْجَرَ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَصَايَاهُمْ