وَالْمُطْبِقُ وَمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُفِيقُ قَبْلَ الْفَوَاتِ كَالصَّغِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا غَيْرُهُمَا كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا مُغْمًى)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ يُرِيدُ وَلَا غَيْرُهُ، فَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَحَدٌ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يُتَرَقَّبُ زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ غَالِبًا، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالصَّبِيِّ لِدَوَامِهِ وَصَحَّ الْإِحْرَامُ عَنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ غَيْرَهُ - فِي أَصْلِ الدِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَوَاءٌ أَرَادُوا أَنْ يُحْرِمُوا - عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِفَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ، وَسَوَاءٌ خَافُوا أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ أَمْ لَا كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْبَرَاذِعِيّ: وَمَنْ أَتَى الْمِيقَاتَ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَأَحْرَمَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَتَمَادَوْا فَإِنْ أَفَاقَ وَأَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمُوا عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ أَوْ بَعْدَهُمْ - قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ أَجْزَأَهُ حَجُّهُ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَأَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا وَلَيْسَ مَا أَحْرَمُوا عَنْهُ أَصْحَابُهُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْإِحْرَامُ مَا أَحْرَمَ بِهِ هُوَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقِفْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَقَدْ وَقَفَ بِهِ أَصْحَابُهُ؛ لَمْ يُجْزِهِ حَجُّهُ. انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمُوا عَنْهُ لَا بِفَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ، أَمَّا الْفَرِيضَةُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعُمْرَةَ وَهِيَ نَافِلَةٌ وَلِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ؛ لَمْ يُجْزِهِ حَجُّهُ وَلَمْ يَقُلْ: وَيُكْمِلُ حَجَّهُ - وَيُجْزِئُ نَافِلَةً فَتَأَمَّلْهُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ لِلدُّخُولِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالِاعْتِقَادَاتُ - النِّيَّاتُ وَلَا يَنُوبُ فِيهَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةٌ وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا فِي حَالِ إغْمَائِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَنْ أُغْمِيَ - عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَيُنْتَظَرُ فَإِنْ لَمْ يُفِقْ مِنْ إغْمَائِهِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَإِنْ أَفَاقَ مِنْ إغْمَائِهِ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَلَا يَخْلُو؛ - إمَّا أَنْ يُفِيقَ بِعَرَفَةَ أَوْ يُفِيقَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ أَفَاقَ بِعَرَفَةَ أَحْرَمَ مِنْهَا حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي ثُمَّ يَقْطَعُ مَكَانَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ أَفَاقَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ قَالَ سَنَدٌ: فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَجْزَأَهُ، وَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَحْفَظُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ شَيْئًا وَأَرْجُو أَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ بَيِّنٌ فَإِنَّ دَمَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يُجَاوِزُهُ مُرِيدًا لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ أَوْ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى خِلَافٍ فِي الْأَخِيرَةِ وَهَذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ مُرِيدًا أَصْلًا؛ فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ الْمُطْبَقَ إذَا جَاوَزَ بِهِ أَهْلُهُ الْمِيقَاتَ ثُمَّ عُوفِيَ فَأَفَاقَ وَأَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ فَتَحَصَّلَ - مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَرْبَعَ - حَالَاتٍ: الْأُولَى: أَنْ لَا يُفِيقَ أَصْلًا مِنْ أَوَّلِ الْحَجِّ إلَى كَمَالِهِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُفِيقَ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ بَعْدَ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَهَذَا قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي الصُّورَتَيْنِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُفِيقَ بِعَرَفَةَ فَهَذَا مُحْرِمٌ حِينَئِذٍ وَيُلَبِّي إلَى الزَّوَالِ إنْ كَانَتْ إفَاقَتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِنْ كَانَتْ إفَاقَتُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيُلَبِّي ثُمَّ يَقْطَعُ فِي حِينِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. الرَّابِعَةُ أَنْ يُفِيقَ قَبْلَ عَرَفَةَ فَحُكْمُ هَذَا مَا قَالَهُ سَنَدٌ مِنْ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ، فَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ لَكِنْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ وَكَانَ لِلْمُوَلَّى - تَحْلِيلُهُ مِنْهُ وَلَهُ إجَازَةُ فِعْلِهِ وَإِبْقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ بِحَسَبِ مَا يَرَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنْ كَانَ يُرْتَجَى بُلُوغُهُ فَالْأَوْلَى تَحْلِيلُهُ لِيُحْرِمَ بِالْفَرْضِ بَعْدَ بُلُوغِهِ