قَوْلَهُ: وَإِذَا أَحْرَمَ بِالصَّبِيِّ؛ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا ابْنَ الْمُنِيرِ فِي اخْتِصَارِهِ لِتَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيّ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ التَّهْذِيبِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ وَفِي نُسَخِ التَّهْذِيبِ وَفِي اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنِ يُونُسَ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ إنَّمَا هُوَ بِلَفْظٍ: وَإِذَا حَجَّ بِالصَّبِيِّ أَبُوهُ، كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِهِ يُجَنِّبُهُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ وَنَصُّ كَلَامِ شَارِحِ الْعُمْدَةِ فِي إحْرَامِ الصَّبِيِّ وَلَا يُجَاوِزُ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا لَكِنْ لَا يُجَرِّدُ الطِّفْلَ الصَّغِيرَ جِدًّا مِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِلْمَشَقَّةِ وَخَوْفِ الْإِضْرَارِ بِهِ حَتَّى يُقَارِبَ الْحَرَمَ وَيَفْدِي عَنْهُ، انْتَهَى.
وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ: وَمَتَى يُجَرَّدُ الصَّبِيُّ مِنْ الْمَخِيطِ أَمَّا الْكَبِيرُ فَكَالْبَالِغِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَإِذَا خِيفَ عَلَيْهِ أُخِّرَ تَجْرِيدُهُ وَأُفْدِيَ عَنْهُ انْتَهَى.
فَكَلَامُهُمَا أَيْضًا يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ إحْرَامُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي حِلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ احْتِمَالًا وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّارِحِ وَرَدَّهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ احْتِمَالًا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَنَصُّ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَهَذَا التَّجْرِيدُ مُخَالِفٌ لِتَجْرِيدِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ قُرْبَ الْحَرَمِ وَهُوَ مَعْمُولٌ مُجَرَّدٌ، وَأَجَازَ الشَّارِحُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا فِي يُحْرِمُ وَجُرِّدَ مَعًا وَلَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُجَرِّدُ إلَّا قُرْبَ الْحَرَمِ؛ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخَّرَ إحْرَامُ الصَّبِيِّ عَنْ الْمِيقَاتِ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ قُلْت: يُحْمَلُ عَلَى تَجْرِيدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يُؤَخَّرُ الْفِعْلُ عَنْ النِّيَّةِ وَعَلَى الثَّانِي لَا يُؤَخَّرُ انْتَهَى. فَمَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ وَقَفَ عَلَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَقَصَدَ خِلَافَهُ فَالصَّوَابُ مَعَ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الشَّارِحِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَإِنَّمَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فَقَطْ وَنَصُّهُ وَانْظُرْ قَوْلَهُ: قُرْبَ الْحَرَمِ، هَلْ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ، وَبِقَوْلِهِ: جُرِّدَ، مَعًا حَتَّى تَكُونَ النِّيَّةُ مِنْ الْوَلِيِّ مَقْرُونَةً بِتَجْرِيدِ الصَّبِيِّ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِنِيَّةٍ مَقْرُونَةٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَنْوِيَ عَنْهُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ وَيُجَرَّدُ قُرْبَ الْحَرَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّيْخِ انْتَهَى.
وَأَمَّا الصَّغِيرُ وَالْوَسَطُ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ فِي كَلَامِهِ فِي الصَّغِيرِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَمُطْبِقٌ، أَيْ فَيُحْرِمُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَيُجَرِّدُهُ وَلَيْسَ كَالصَّبِيِّ فِي تَأْخِيرِ تَجْرِيدِهِ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ كَلَامُ الْأَقْفَهْسِيِّ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَ الْمَجْنُونِ وَحُكْمَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَأَنَّهُ يُؤَخَّرُ إحْرَامُهُ، وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَتِهِ فِي الشَّرْحِ، وَنَصُّهَا نَوَى وَلِيٌّ عَنْ كَرَضِيعٍ وَجَرَّدَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ انْتَهَى. وَلَمَّا اضْطَرَبَتْ هَذِهِ النُّقُولُ وَغَيْرُهَا عَلَى بَعْضِ مَنْ عَاصَرَ مَشَايِخَنَا جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: فَقَالَ فِي مَنْسَكِهِ: وَيُجَرِّدُهُ قُرْبَ الْحَرَمِ وَهَلْ يُحْرِمُ بِهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ أَوْ عِنْدَ تَجْرِيدِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ إحْرَامَ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ لَيْسَ خَاصًّا بِالرَّضِيعِ وَكَذَا تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِقُرْبِ الْحَرَمِ لَيْسَ خَاصًّا بِهِ كَمَا قَدْ يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَلْ ذَلِكَ عَامٌّ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَلَكِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَصَّ الرَّضِيعَ بِالذِّكْرِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ صِحَّةُ حَجِّهِ وَجَوَازُهُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ مَنْعِ الْحَجِّ بِهِ وَلَوْ أُتِيَ بِالْكَافِ فَقَالَ: عَنْ كَرَضِيعٍ؛ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَازَ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَفُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَكُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ: يُسْتَحَبُّ الْحَجُّ بِالصِّبْيَانِ وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَسْتَحْسِنُهُ وَعَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ قَرْنٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَحُجُّ بِالصِّبْيَانِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُشْتَغَلُ بِهِ وَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو مَهْدِيٍّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكَافِلِ الصَّبِيِّ تَمْرِينُهُ عَلَى الْعِبَادَاتِ حَتَّى تَصِيرَ لَهُ كَالْعَادَاتِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى