وَكَانَ الْحَامِلُ لِلشَّيْخِ بَهْرَامَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا فَحَمَلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَنَصُّهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْإِسْلَامِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ يُونُسَ وَالْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْخِطَابِ أَوْ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ شَاسٍ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي التَّبْصِرَةِ وَجَعَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَالْوُجُوبِ مَعًا وَحَكَى الْأُولَى فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا، انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ.

وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ إنَّمَا هِيَ فِي تَضْعِيفِ الْعَذَابِ فَقَطْ وَذَكَرَ الْبِسَاطِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِذَلِكَ فَائِدَةً أُخْرَى وَهِيَ وُجُوبُ الِاسْتِنَابَةِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ إذَا أَسْلَمَ وَمَاتَ فِي الْحَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ، وَإِنَّمَا تُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطُ وُجُوبٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ ((قُلْتُ)) : وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِهِ إذَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ لَا تَجِبُ عِنْدَنَا وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا مُسْتَطِيعًا وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَقَدْ اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاعْتَرَضَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَسْتَطِيعُهُ بِالنِّيَابَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْأَوْلَى رَدُّهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ غَيْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْعَقْلَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ أَيْضًا وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ يَعْنِي نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِّ الِاسْتِطَاعَةَ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَنَقَلَهُ عَنْ التَّادَلِيِّ وَجَعَلَهُ فِي الشَّامِلِ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ وَشُرُوطُ وُجُوبِهِ ثَلَاثَةٌ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَلِأَدَائِهِ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ ثُمَّ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ فِي أَدَاءِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعْيِينِهَا انْتَهَى.

وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ أَعْنِي نَفْيَ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ فَمَنْ أَحَبَّ فَلِيُرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: لَوْ اعْتَقَدَ الصَّبِيُّ الْكُفْرَ لَمْ يَكْفُرْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلَوْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الرُّويَانِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَقَالَ وَالِدُهُ: يَصِحُّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. وَمَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ أَنَّ ارْتِدَادَهُ ارْتِدَادٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ رَضِيعٍ وَجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ)

ش: يَعْنِي فَبِسَبَبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا الْإِسْلَامُ صَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُحَجُّ بِالرَّضِيعِ وَأَمَّا ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ خَمْسٍ فَنَعَمْ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَعَلَى قَوْلِهِ هَذَا فَلَا يَحُجُّ بِالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقُ. وَكَأَنَّهُ فَهِمَ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى الْمَنْعِ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي صِحَّتِهِ يَعْنِي الْإِحْرَامَ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِلَّخْمِيِّ مَعَ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ يُحَجُّ بِابْنِ أَرْبَعٍ لَا بِرَضِيعٍ وَفِي الْمَجْنُونِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِتَخْرِيجِ اللَّخْمِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ: عَدَمُ الْعَقْلِ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ خِلَافُ النَّصِّ وَنَقْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَهُ عَنْ بَعْضِ شَارِحِي الْمُوَطَّإِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَعْمِيَةٌ أَوْ قُصُورٌ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَمَلَ عِيَاضٌ قَوْلَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُحَجُّ بِالرَّضِيعِ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ لَا مَنْعِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ شَارِحِي الْمُوَطَّإِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ نَفْلًا وَلَا فَرْضًا وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015