يَجِبُ وَقْتُ إمْكَانِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ كَوُجُوبِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْعَارِيَّةِ لَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِوَقْتٍ كَأَنْ فَعَلَهُ أَوَّلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ كَفِعْلِهِ فِيمَا بَعْدَهُ فِي تَسْمِيَتِهِ أَدَاءً، بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ إذَا أَوْقَعْته فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ بِوُقُوعِهِ فَإِذَا أَفْسَدَ فَسَمَّيْنَا عَزْمَتَهُ لَهُ قَضَاءً انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي فَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ لَمْ يَعْصِ وَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ أَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ عَصَى.
(الرَّابِعُ) قَالَ سَنَدٌ: إذَا وُجِدَتْ شَرَائِطُ الْحَجِّ وَجَبَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَانِهِ وَقْتٌ وَاسِعٌ كَانَ وُجُوبُهُ مُوَسَّعًا فَمَتَى سَعَى فِيهِ سَعَى فِي وَاجِبِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى فَاتَ الْحَجُّ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِمَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ وَرَثَتُهُ وَلَا مَالُهُ إذَا لَمْ يُوصِ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ: إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنِ الْحَجِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدُ فَذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ انْتَهَى.
(الْخَامِسُ) قَالَ أَشْهَبُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ: فَإِنْ أَرَادَتْ الْحَجَّ وَهِيَ صَرُورَةٌ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صَرُورَةٌ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ نَذَرَتْهُ وَلَهُ مَنْعُهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ فِيهَا: وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ إذَا نَذَرَتْ الْمَشْيَ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ النَّوَادِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَصِحَّتُهُمَا بِإِسْلَامٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْإِسْلَامُ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ غَيْرِ مُسْلِمٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَمِمَّا ذَكَرَ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْحَجِّ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطًا فِي وُجُوبِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ صَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى خِطَابِهِمْ بِالْإِيمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي خِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ قَالَ الْبَاجِيِّ: وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ خِطَابُهُمْ بِهَا خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ انْتَهَى وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: الْكُفَّارُ عِنْدَنَا مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْقُرْطُبِيِّ نَفْيُ الْخِلَافِ فِيهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ نَفْسِهِ لَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيهِ الْخِلَافَ مِنْهُمْ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ: إنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحَكَى فِي الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَفِي كَلَامِهِ فِي الصِّيَامِ مِيلٌ إلَى عَدَمِ الْخِطَابِ، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْخِطَابِ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ. وَيُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِالْخِطَابِ بِالنَّظَرِ إلَى مَسَائِلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَيَكُونُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ أَيْضًا إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْعِبَادَةَ تَصِحُّ مِنْ الْكُفَّارِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَفِي الشَّامِلِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ حِكَايَةِ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَقَوْلٌ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَقَوْلٌ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا يُوهِمُ أَنَّ الثَّانِيَ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ: مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي الْأَدَاءِ، وَإِلَّا أَجْزَأَ الْفِعْلُ قَبْلَ وُجُوبِهِ عَنْهُ بَعْدَهُ، وَلَا يُنْقَضُ بِإِجْزَاءِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ مِثْلُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَتْ قَبْلَهُ مُطْلَقًا اهـ.
وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الشَّامِلِ وَهَلْ الْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ وَرُجِّحَ أَوْ فِي وُجُوبِهِ أَوْ فِيهِمَا خِلَافٌ وَمِمَّنْ تَبِعَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: يَعْنِي أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَقِيلَ: شَرْطٌ فِيهِمَا، انْتَهَى.