شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَأَمَّا الْمُمَيِّزُ وَالْعَبْدُ فَعَنْ أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ فِي التَّوْضِيحِ نَقَلَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: يَجِبُ بِالْإِسْلَامِ إلَى آخِرِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، انْتَهَى. فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ تَرْكَ الْإِحْرَامِ بِالرَّضِيعِ مُسْتَحَبٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْأَصْلُ فِي الْحَجِّ بِالصَّغِيرِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مَحَفَّتِهَا فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَتْ بِضَبْعَيْ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَلَك أَجْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ إلَّا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مَنَعُوهُ وَلَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِمْ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ وَإِجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ يَرُدُّ قَوْلَهُمْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ لِلْعُلَمَاءِ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْحَجِّ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إلْزَامُهُمْ مِنْ الْفِدْيَةِ وَالدَّمِ وَالْجَبْرِ مَا يَلْزَمُ الْكَبِيرَ أَمْ لَا؟ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُلْزِمُهُمْ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَتَجَنَّبُ عِنْدَهُ مَا يَتَجَنَّبُ الْمُحْرِمُ عَلَى طَرِيقِ التَّعْلِيمِ وَالتَّمْرِينِ وَسَائِرُهُمْ يُلْزِمُونَهُ ذَلِكَ وَيَرَوْنَ حُكْمَ الْحَجِّ مُنْعَقِدًا عَلَيْهِ إذْ جَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ إذْ جَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجًّا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ إذَا بَلَغَ مِنْ الْفَرِيضَةِ، إلَّا فِرْقَةً شَذَّتْ فَقَالَتْ: يُجْزِيهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ الْعُلَمَاءُ إلَى قَوْلِهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَحْرَمَ وَهُوَ صَبِيٌّ فَبَلَغَ قَبْلَ عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَجِّ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُرْفَضُ إحْرَامُهُ وَيُتِمُّ حَجَّهُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَإِنْ اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: يُجْزِيهِ إنْ نَوَى بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ وَرَفْضُ الْأُولَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُجْزِئُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا فِي الْعَبْدِ يُحْرِمُ ثُمَّ يُعْتَقُ سَوَاءٌ وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّضِيعِ وَمَنْ لَا يَفْقَهُ هَلْ يَحُجُّ بِهِ؟ وَحَمَلَ أَصْحَابُنَا قَوْلَهُ بِالْمَنْعِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِتَرْكِهِ، وَالْكَرَاهَةِ لِفِعْلِهِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ.

وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ مِنْ الْإِجْزَاءِ إذَا اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ أَوْ نَوَى بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلَ الْفَرْضَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفَى فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ

وَإِذَا صَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا وَمَنْ الْمَجْنُونِ فَيُحْرِمُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا قُرْبَ الْحَرَمِ وَتَجْدِيدِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْوِي الْإِحْرَامَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: قُرْبَ الْحَرَمِ، مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ، وَالْمَعْنَى فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الرَّضِيعِ قُرْبَ الْحَرَمِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِهِ جَرَّدَهُ وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ: قُرْبَ الْحَرَمِ، عَلَى قَوْلِهِ: وَجَرَّدَ، لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَبْيَنَ فَإِنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِجَرَّدَ بَلْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْوَلِيَّ يُحْرِمُ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيُؤَخِّرُ تَجْرِيدَهُ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ يُجَنَّبُ مَا يُجَنَّبُهُ الْكَبِيرُ وَذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مُنَاهِزٌ وَرَضِيعٌ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُدْخِلَ الْجَمِيعَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَأَنْ يُحْرِمَ بِهِمْ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قُرْبَ الْحَرَمِ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَ الرَّضِيعِ وَمَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ لَا يَجْتَنِبُ مَا يُنْهَى عَنْهُ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ وَأَنْ يُحْرِمَ الْمُنَاهِزُ مِنْ الْمِيقَاتِ قَالَ فِي الْأُمِّ: قَالَ مَالِكٌ: وَالصِّبْيَانُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ مِنْهُمْ الْكَبِيرُ قَدْ نَاهَزَ وَمِنْهُمْ الصَّغِيرُ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَثَمَانِ سِنِينَ الَّذِي لَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ فَذَلِكَ يُقَرَّبُ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ يُحْرِمُ، وَاَلَّذِي قَدْ نَاهَزَ فَمِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَدَعُ مَا يُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ الَّذِي إذَا جَرَّدَهُ أَبُوهُ يُرِيدُ بِتَجْرِيدِهِ الْإِحْرَامَ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَيُجَنِّبُهُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي اخْتِصَارِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ صَبِيًّا صَغِيرًا لَا يَتَكَلَّمُ فَلَا يُلَبِّي عَنْهُ وَيُجَرِّدُهُ إذَا دَنَا مِنْ الْحَرَمِ، وَإِذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015