عَنْ نَزْعِ الشَّوْكَةِ مِنْ رِجْلِهِ جَائِزٌ فَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَحَمْلُ ابْنِ مُحْرِزٍ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِهِ لَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ بَعِيدٌ جِدًّا، انْتَهَى.
وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا هِيَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فِي أَوَائِلِهِ وَسَمَاعُ الْقَرِينَيْنِ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَانِعِ الْحَجِّ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَأَخَذَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: رَوَى أَشْهَبُ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ زَوْجَتُهُ فَأَرَادَتْ الْحَجَّ وَهِيَ صَرُورَةٌ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ مَا أَدْرِي مَا تَعْجِيلُ الْحِنْثِ، حَلَفَ أَمْسِ، وَتَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، وَلَعَلَّهُ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ سَنَةً وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ سَنَةً وَكَذَلِكَ يُقْضَى عَلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عِنْدَهُ عَلَى التَّرَاخِي إذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا شَكَّ فِي تَعْجِيلِ الْحِنْثِ فِي أَوَّلِ الْعَامِ، بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي أَوَّلِ الْعَامِ وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تُعَجِّلَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ تَعْجِيلُهُ انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَالِكًا فَهِمَ عَنْهَا قَصْدَ الْإِضْرَارِ؛ لِقَوْلِهِ: حَلَفَ أَمْسِ وَتَخْرُجُ الْيَوْمَ، وَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَجَدْت دَلَالَتَهُ عَلَى الْفَوْرِ أَقْرَبَ، انْتَهَى.
وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْبَيَانِ، وَاسْتَدَلَّ لِلْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي بِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ نَزَلَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَخَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَهُوَ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَإِنَّمَا فُرِضَ الْحَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَهَذِهِ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ قَالَ سَنَدٌ: وَقِيلَ: سَنَةَ عَشْرٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّ الْوَقْتَ كَانَ لَا يَتَّسِعُ بِأَنْ نَزَلَتْ فِي آخِرِ الْعَامِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) سَوَّى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: الظَّاهِرُ قَوْلُ مَنْ شَهَرَ الْفَوْرَ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مِيلٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ضَعَّفَ حُجَّةَ التَّرَاخِي وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِ نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَالْقَوْلُ بِالتَّرَاخِي إنَّمَا أُخِذَ مِنْ مَسَائِلَ، وَلَيْسَ الْأَخْذُ مِنْهَا بِقَوِيٍّ انْتَهَى.
وَقَدَّمَ فِي مَنَاسِكِهِ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ الثَّانِي بِقِيلَ فَقَالَ: وَالْحَجُّ وَاجِبٌ مَرَّةً عَلَى الْفَوْرِ، وَقِيلَ: عَلَى التَّرَاخِي. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا تَأَمَّلْت الْمَسَائِلَ الْمَأْخُوذَ مِنْهَا التَّرَاخِي وَجَدْتهَا أَقْرَبَ إلَى دَلَالَتِهَا عَلَى الْفَوْرِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: الَّذِي عَلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْمَذَاهِبِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ الْفَوْرُ انْتَهَى.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِ أَرْجَحُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى مَنْ بَلَغَ السِّتِّينَ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مُعَلَّى وَالتَّادَلِيّ عَنْ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى مَنْ بَلَغَهَا أَوْ كَادَ، وَفِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَتَقَدَّمَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ السِّتِّينَ يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَقَوْلُ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ التَّمْهِيدِ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ غَيْرَ سَحْنُونٍ.
(الثَّالِثُ) وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ فَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ الْعَامِ عَصَى وَلَا يَكُونُ قَضَاءً خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ نَقَلَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: فَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ عَامٍ فَقَضَاءٌ، وَقِيلَ: أَدَاءٌ انْتَهَى. وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَا صَدَّرَ بِهِ هُوَ الرَّاجِحُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ سَنَةِ الْإِمْكَانِ لَا يُسَمَّى قَاضِيًا إجْمَاعًا وَنَصُّهُ فِي الِاحْتِجَاجِ لِلْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْحَجَّ عَنْ أَوَّلِ سَنَةِ الْإِمْكَانِ لَا يُسَمَّى قَاضِيًا إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَوَجَبَ إذَا أَخَّرَهُ عَنْهَا أَنْ يَفُوتَ أَدَاؤُهُ وَيُسَمَّى قَاضِيًا كَمَا تَقُولُ: إذَا أَفْسَدَهُ أَنَّهُ يَقْضِيهِ، وَأَجَابَ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا اسْمُ الْقَضَاءِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَخْتَصُّ وُجُوبُهُ بِوَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ وَإِنَّمَا