وقال الذَّهبيُّ: «الوعظ فنٌّ بذاته، يحتاج إلى مشاركةٍ جيِّدةٍ في العلم، ويستدعي معرفةً حسنةً بالتفسير، وإكثارًا من حكايات الفقراء والزُّهاد» (?).
وههنا معنى مهمُّ يتعلَّق بالوعظ، شكا منه الصحابة - رضي الله عنهم - وخافوا على أنفسهم من النِّفاق بسببه، فبيَّن لهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وجه الصواب؛ ذلك أنَّ حنظلة الأسيِّديَّ - رضي الله عنه - قال: لقينى أبو بكرٍ، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله ما تقول؟! قال: قلت: نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عينٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيعات، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنَّا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكرٍ، حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وما ذاك؟)، قلت: يا رسول الله نكون عندك، تذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عينٍ، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والَّذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً) ثلاث مرَّاتٍ (?).
يوضِّح ابن الجوزي رحمه الله هذا المعنى فيقول:
«قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظةٌ، فإذا انفصل عن مجلس الذِّكر، عادت القسوة والغفلة، فتدبَّرت السبب في ذلك، فعرفته، ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أنَّ القلب لا يكون على صفه من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها؛ لسببين: