أحدهما: أنَّ المواعظ كالسِّياط، والسياط لا تؤلم بعد انقضائها، وإيلامها وقت وقوعها.

والثَّاني: أنَّ حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلَّة، قد تخلَّى بجسمه وفكره عن أسباب الدُّنيا، وأنصت بحضور قلبه، فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها، فكيف يصحُّ أن يكون كما كان؟!

وهذه حالةٌ تعمُّ الخلق! إلا أنَّ أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر، فمنهم من يعزم بلا تردُّدٍ، ويمضي من غير التفاتٍ، فلو توقَّف بهم ركب الطبع لضجُّوا، كما قال حنظلة عن نفسه: نافق حنظلة!

ومنهم أقوامٌ يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحيانًا، ويدعوهم ما تقدَّم من المواعظ إلى العمل أحيانًا، فهم كالسُّنبلة تميلها الرِّياح.

وأقوامٌ لا يؤثِّر فيهم إلا بمقدار سماعه، كماءٍ دحرجته على صفوانٍ» (?).اهـ.

ولا يفوتني هنا أن أنوِّه بالجهد الكبير الذي بذله الشيخ صالحٌ الشامي - أثابه الله - في كتابه «مواعظ الصحابة»، والذي جمع فيه جملةً كبيرةً من مواعظهم، واستفدتُّ منه كثيرًا، لكنَّ الكتاب لم يتعرَّض لها بالتعليق والشرح، بل كان هدفه الجمع - وهو هدفٌ نبيلٌ.

أما هذا الكتاب، فهدفه الأكبر: جمع بعض هذه المواعظ، والتعليق عليها، بما يوضِّح شيئًا من دلالتها، مع الحرص على ربطها بواقعنا الذي نعيشه.

ومن أهمِّ النتائج التي خرجت بها - بعد هذا التَّطواف في مئات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015