وهذه الموعظة هي ثمرة تجارب طويلةٍ عاشها عليُّ - رضي الله عنه - بنفسه، وقبل ذلك مع أستاذة ومعلِّمه الأوَّل - صلى الله عليه وسلم -.

إنَّ الاستشارة أمارةٌ على عقل المستشير؛ ذلك أنَّ الرأي الفذَّ ربَّما زل، والعقل الفرد ربَّما ضلّ- كما يقول بعض العلماء-.

وقد قال بعض السَّلف: من حقِّ العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العلماء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء.

وقال بعضهم: «الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه» (?).

وشواهد الحال - فضلًا عن شواهد السُّنَّة - تؤكِّد أهمية الاستشارة، وتتأكَّد أهميتها كلَّما عظم الأمر الذي سيقدم عليه الشخص، وتتأكَّد أكثر وأكثر حين يتعلَّق الأمر بجماعةٍ من الناس أو بالأمَّة!

إنَّ ممَّا يوسف عليه: أن ترى بعض الناس - وخاصة الشباب - ربَّما أقدم على أمورٍ مهمَّةٍ ومصيريَّةٍ في حياته دون استشارةٍ أو استخارةٍ! يحمله على ذلك التَّعجُّل وضعف الإدراك للمآلات! وهذا غلطٌ عظيم، غالبًا يقع معه الندم، ولكن بعد فوات الأوان حيث يتعذَّر الاستدراك!

ولو كان أحدٌ من الخلق يستغني عن الاستشارة، لاستغنى عنها المؤيَّد بالوحي - صلى الله عليه وسلم -، الذي قال الله له: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]، قال الحسن البصريُّ وغيره: ما أمر الله تعالى نبيَّه بالمشاورة لحاجةٍ منه إلى رأيهم؛ وإنَّما أراد أن يعلِّمهم ما في المشاورة من الفضل، ولتقتدي به أمَّته من بعده (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015