وقال الفضيلُ بنُ عياض: أُخبِرتُ عن سليمان التيمي أنه قِيلَ له: أنتَ أنت ومن مثلك؟ فقال: مه لا تقولوا هذا لا أدري ما يَبْدُو لي من الله. سمعتُ الله يقول: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} .
وكان سفيان الثوري يقول عند هذه الآية: ويلٌ لأَهْلِ الرياء من هذه الآية، وهذا كما في حديث الثلاثة الذين هم أولُ من تَسُعّرُ بهم النار، العالم، والمتصدق، والمجاهد. وكذلك من عَمِل أعمالاً صالحةً وكانت عليه مظالمِ فهو يظن أن أعماله تنجيه فيبدو له ما لم يكن يحتسب، فيقتسمُ الغرماءُ أعماله كلّها ثم يفضلُ لهم فضلٌ فيطرحُ من سيئَاتهم عليه ثم يطرح في النار.
وقد يناقش الحساب فيطلب منه شكرُ النعم فتقوم أصغر النعم فتستوعب أعماله كلها وتبقى بقيةٌ فيطالب بشكرها فيعذب. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «مَن نوقش الحساب عذب أو هلك» . وقد يكون له سيئات تحبط بعضَ أعماله أو أعمال جوارحه سوى التوحيد فيدخل النار.
وفي سنن ابن ماجة من رواية ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَجِيءُ بَأَعْمَالٍ أَمْثَال الجِبَالْ فَيَجْعَلُهَا اللهُ هَبَاءً مَنْثُورًا» . وَفِيهِ: «وَهُمِ قَومٌ مِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ وَلَكِّنَهُمْ قَومٌ إِذَا خَلُوا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهكُوهَا» .
وَخَرَّجَ يَعْقُوبُ بنُ أبي شُعْبَةِ، وابنُ أبي الدُّنْيَا في حَدِيثِ سَالِمٍ مَوْلى أبي حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: «ليَجاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ بَأَقْوَامٍ مَعَهُمْ مِن الْحَسَنَاتِ مِثْلُ جِبَالِ تِهَامَةَ حَتَّى إِذَا جِيءَ بِهِمْ جَعَلَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ هَبَاءً ثُمَّ أَكَبَّهُمْ في النَّارِ» .
قال سَالِمٌ: خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ. فَقَالَ: «أَمَّا إِنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَأْخُذُونَ هُنَيْهةً من اللَّيْلِ، ولَعَلَّهُم كَانُوا إِذَا عَرَضَ لَهُمْ شَيْءٌ سِرًّا حَرَامًا أَخَذُوهُ فَأَدْحَضَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ» . وَقَدْ يُحْبِطُ العَمَلُ بآفِةٍ مِنْ رِيَاءٍ خَفِيٍّ أَوْ عُجْبٍ بِهِ ونحوِ ذَلِكَ ولا يَشْعُرُ بهِ صَاحِبُه.