وفي الحديث: «لا تمنوا الموتَ فإن هولَ المطلعِ شديد، وإن مِن سعادةِ المرءِ أن يطَولَ عُمره ويَرزقه الله الإنابة» .
وقال بعضُ حكماء السلف: كم مَوقِفِ خِزيٍ يومَ القيامةِ لم يَخْطُر على بالك قط. ونظير هذا قوله تعالى: {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} .
واشتملَ على ما هو أعم مِن ذلك وهو أن يكون له أعمالٌ يرجو بها الخيرَ فتصيرُ هباءً منثورًا وتبدلُ سيئات وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .
وقال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} .
وقال الفضيلُ في هذه الآية: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} قال: عملوا أعمالاً وحسبوا أنها حسنات فإذا هي سيئات. وقَرِيبٌ من هذا أن يعملَ الإنسانُ ذنبًا يَحْتَقِرُهُ وَيَسْتَهوِنُ به فيكون هو سَبَبَ هلاكِهِ. كما قال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} .
وقال بعضُ الصحابةِ: إنكم تعملون أعمالاً هي في أعينكم أدقُ مِن الشعر، كنا نعهدها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات، وأصعبُ مِن هذا من زُيّنَ له سوءُ عمله فرآه حسنًا. قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} .
قال ابن عيينة: لَمَّا حَضَرَتْ مُحمدَ بنَ المنكدر الوفاةُ جَزِعَ فَدَعُوا له أبا حازم فجاءَ فقال له: ابن المنكدر: إن الله يقول: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} فأخاف أن يبدوَ لي من الله ما أكن أحتسب. فجعلا يبكيان جميعًا. خرجه ابن أبي حاتم، وزاد ابن أبي الدنيا. فقال له أهله: دعوناك لتخفف عليه فزدته فأخبرهم بما قال.