ولا يرضاها لنفسه إِلا من انحطت قيمته ودنؤت نَفْسهُ، وكَانَ عندها حقيرًا، وصار كالذباب ينقل الجراثيم.
وأما من كَانَ يشعر بنفسه، فلا يرضى لها هذه الحالة، وهي حرام بجَمِيع أنواعها، سواء كانت بين الأصدقاء والأصحاب أو عَنْدَ أرباب الجاه والسُّلْطَان، وهي شر أنواع النميمة وأشد خطرًا فإن هذه هِيَ السعاية ولا يخفى ما وراء ذَلِكَ من المفاسد العظيمة فكم جرت من ويلات على كثير من الأبرياء الْمُؤْمِنِين الغافلين طاهري القُلُوب سليمي الصدور فقضت على أرواحهم وأموالهم وَكَمْ نكلت بكثير من الْعُلَمَاء فأخرجتهم من ديارهم وأموالهم وأصبحوا عرضة للمحن والنوائب وَكَمْ ضرت بصالحين مطمئنين فأودعتهم السجون وسلبتهم الحقوق، وجعلت للفسقة عَلَيْهمْ سلطانًا، وَكَمْ حرمت أطفالاً من قوتهم وسلبت مِنْهُمْ نعيمهم بدون جناية اقترفوها أو كانت بين زوجين، أو بين الأَهْل والأقرباء، ولا ريب في أن النميمة في هذه الحالة أشد من النميمة بين الأصدقاء والأصحاب، لإفضائها إلى قطيعة الرحم والطلاق غالبًا، ومن ذَلِكَ النميمة بين الجماعات والإفساد بين القبائل ومن ذلك النميمة لرفع الثِّقَة من مزاحم في تجارة أو صناعة أو زراعة ومن ذَلِكَ النميمة لإنزال شخص عن مكانته واحترامه عَنْدَ فئة من النَّاس. هَذَا معظم أنواع النميمة، وهي كما تَرَى من شر ما منيت به الفضيلة ورزئت به الإنسانية فليتق الله ذووا الألسنة الحداد ولا ينطقوا إِلا بما فيه الْخَيْر لخلق الله، ويكفيكم في هَذَا قول المصطفى صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «ومن كَانَ يؤمن بِاللهِ واليوم الآخِر فليقل خيرًا أو ليصمت» . رواه البخاري ومسلم.