العبد على المولى فالإجمال في الطلب أولى؛ وازهدوا جهدكم في مصاحبة أهل الدنيا، فخيرها لا يقوم بشرها، ونفعها لا يفي بضرها؛ وأعقاب من تقدم شاهدة، والتواريخ لهذه الدعوى عاضدة؛ ومن بلي منكم بها فليستظهر بسعة الاحتمال، والتقلل من المال، ويحذر معاداة الرجال، ومزلات الإذلال، وفساد الخيال، ومداخلة العيال؛ وإفشاء الأسرار، وسكر الاغترار؛ وليصن الديانة، ويؤثر الصمت ويلزم الأمانة، ويسر من رضا الله على أضح الطرق، ومهما اشتبه عليه أمران قصد أقربهما إلى الحق؛ وليقف في التماس أسباب الجلال، وسموا القدر ورفعة الحال دون الكمال، فما بعد الكمال غير النقصان، والزعازع تسالم اللدن اللطيف من الأغصان. وإياكم وطلب الولايات رغبة واستجلابًا، واستظهارًا على الحظوظ وغلابًا؛ فذلك ضرر بالمروءات والأقدار، داع إلى الفضح والعار؛ ومن امتحن منكم بها اختيارًا، أو جبر عليها إكراهًا وإيثارًا؛ فليتق وظائفها بسعة صدره، وليبذل من الخير فيها ما يشهد أن قدرها دون قدره؛ فالولايات فتنة ومحنة، واسر وإحنة؛ وهي بين إخطاء سعادة، وإخلال بعادة؛ وتوقع عزل، وإدالة رخاء بأزل، وبيع جد من الدنيا بهزل؛ ومزلة قدم، واستتباع ندم؛ ومال العمر كله قوت ومعاد، واقتراب من الله وابتعاد؛ جعلكم الله ممن نفعة بالتبصير والتنبيه، وممن لا ينقطع بسببه عمل أبيه.

هذه أسعدكم الله وصيتي التي أصدرتها، وتجارتي التي لربحكم أدرتها؛ فتلقوها بالقبول لنصحها، والاهتداء بضوء صبحها؛ وبقدر ما أمضيتم من فروعها، واستغشيتم من دروعها؛ اقتنيتم من المناقب الفاخرة، وحصلتم على سعادة الدنيا والآخرة؛ وبقدر ما أضعتم من لآليها النفسية القيم، استكثرتم من بواعث الندم؛ ومهما سئمتم إطالتها، واستغزرتم مقالتها؛ فاعلموا أن تقوى الله فذلكة الحساب، وضابط هذا الباب؛ كان الله خليفتي عليكم في كل حال،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015