فَلَمَّا فتح لَهُمْ بابها، هاج نسيم طيب الجنان، وطيب جرى مائها، فنفح وجهك، وَجَمِيع بدنك، وثارت أراييج الْجَنَّة العبقة الطيبة، وهاج ريح مسكنها الاذفر، وزعفرانها المونع، وكافورها الأصفر، وعنبرها الأشهب، وارياح طيب ثمارها وأشجارها، وما فيها من نسيمها.

فتدخلت تلك الارييح فِي مشامك حَتَّى وصلت إِلَى دماغك، وصار طيبها فِي قلبك، وفاض مِنْ جَمِيعِ جوارحك، ونظرت بعينيك إِلَى حسن قصورها، وتأسيس بنيانها من طرائق الجندل الأخضر من الزمرد والياقوت الأحمر، والدر الأَبْيَض، قَدْ سطع منه نوره وبهاؤه وصفاؤه.

فقَدْ أكمله الله فِي الصفاء والنور، ومازجة نور ما فِي الجنان، ونظرت إِلَى حجب الله، وفرح فؤادك لمعرفتك إِنَّكَ إِذَا دخلتها فَإِنَّ لَكَ فيها الزيادات، والنظر إِلَى وجه ربك، فاجتمَعَ طيب أراييح الْجَنَّة وحسن بهجة منظرها وطيب نسيمها، وبرد جوها.

فتصور نفسك أن تفضل الله عَلَيْكَ بهذه الهيئة، فلو مت فرحًا لكَانَ ذَلِكَ يحق لَكَ، حَتَّى إِذَا فتحوا بابها، أقبلوا عيك ضاحكين فِي وجهك ووجوه أولياء الله معك، ونادوَكَمْ {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} فتوهم حسن نغماتهم، وطيب كلامهم، وحسن تسليمهم، فِي كمال صورهم، وشدة نورهم.

ثُمَّ اتبعوا السَّلام بقولهم: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ، فاثنوا عَلَيْهمْ بالطيب والتهذيب من كُلّ دنس، ودرن وغل وغش، وكل آفة فِي دين أَوْ دنيا، ثُمَّ أذنوا لَهُمْ على الله بالدخول فِي جواره، ثُمَّ أخبروهم أنهم باقون فيها أبدًا، فَقَالُوا: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ، فَلَمَّا سمعت الأذن وأَوْلِيَاء الله معك ن بادرتم الْبَاب بالدخول، فكضت الأبواب من الزحام.

فتصور نفسك أن الله عفا عَنْكَ فِي تلك الزحمة مبادرًا مَعَ مبادرين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015