والمقربين وتصور حالتك لما اشتد بك الكرب والعطش وبلغ منك كُلّ مبلغ وذكرت الجنان وما فيها من النَّعِيم الْمُقِيم والعيش السَّلِيم.
وهاجت الأحزان وهاجت غصة فِي فؤادك إِلَى حلقك أسفًا على ما فات من رضي الله عَزَّ وَجَلَّ حزنًا على نعيم الْجَنَّة.
ثُمَّ ذكرت شرابها وبرد مائها وذكرت أن فيها بَعْض القرابة من أب أَوْ أم أَوْ ابن أَوْ أخ أَوْ غيرهم من القرابة أَوْ الأصدقاء فِي الدُّنْيَا فناديتهم بقلب محزون لا يرحم بكاؤهم ولا يجاب دعاؤهم ولا يغاثون عَنْدَ تضرعهم ولا تقبل توبتهم ولا تقَالَ عثرتهم غضب الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهمْ فلا يرضى عنهم أبدًا فمثل نفسك بهَذَا الوصف إن لم يعف عَنْكَ ربك لعلك أن تستيقظ فتستدرك.
فلو رَأَيْت المعذبين قَدْ أكلت النار لحومهم ومحت محاسن وجوههم واندرس تخطيطهم فبقيت العظام محترقة مسودة وقَدْ قلقوا من شدة تكرار الْعَذَاب الأَلِيمِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} وهم ينادون بالويل والثبور ويصرخون بالبُكَاء والعويل، قَالَ الله جَلَّ وَعَلا وتقدس: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} ، وقَالَ: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} .
فلو رأيتهم لذاب قلبك فزعًا ورعبًا من سوء خلقهم ولخرجت روحك من نتن رائحتهم فَكَيْفَ لو نظرت نفسك وأَنْتَ لعلك فيهم وقَدْ زال من قلبك الأمل والرجَاءَ ولزمك القنوط والإياس فمثل نفسك لعلك أن تتأثر فتستعد للقاء الله.
ونظرت إِلَى النار وهي تشتعل فِي أجزاء بدنك فتدخل أذنيك وعينيك ولا تقدر على إبعادها عَنْكَ لملازمتها لَكَ، قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} فهناك يغلب على قلبك التأسف والحسرات