فاشتروا لي قميصا عمانيا، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثماني سنين" (?).
إن الإسلام حين يفسح للطفل بأن يؤم من هو أسن منه؛ لأنه تأهل لذلك علما وتقوى، إنما يكسر الحواجز العمرية في التعامل مع الإنسان، وأنه جدير بالاحترام والتقدير، والتواصل معه مهما كان عمره، ما دام قادرا على الحوار.
لنا أن نقارن بين هذا الاحتفاء الذي وصل إلى هذا الحد، في مقابل صورة أخرى متكررة في عدد من المساجد: تقول لي إحدى الأمهات: أولادي أعمارهم 10،7 سنوات يذهبون إلى المسجد مع الأذان للصلاة في الصف الأول، لكن بعض كبار السن يرجعونهم للخلف دائما، فيرجعون إلى البيت وهم يبكون، حتى إن أحدهم قال لي يا ليت هذا الرجل الكبير الذي يرجعنا للخلف يموت!! مع أنهم يقفون باحترام، ولا يشوشون على المصلين.
لما وليّ الخلافة عمر بن عبد العزيز, وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجتها وللتهنئة، فوفد عليه الحجازيون فتقدم غلام هاشمي للكلام وكان حديث السن.
فقال عمر: لينطق من هو أسنّ منك.
فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين, إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه, فإذا منح الله عبدا لسانا لافظا وقلبا حافظا استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه, ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك من هذا منك.
فقال عمر: صدقت, قل ما بدا لك.
فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين: نحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة, وقد أتيناك لمنّ الله الذي منّ علينا بك، ولم يقدمنا إليك إلا رغبة ورهبة؛ أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا, وأما الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك.